التفاسير

< >
عرض

قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً
٦٧
وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً
٦٨
-الكهف

تيسير التفسير

{ قَالَ } له الخضر { إِنَّكَ لَنْ تَسْتِطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا } ما هو نكرة فى سياق النفى نعم { وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا } أكد نفى الصبر بالجملة الاسمية وإن وبإيقاعه بلن، فإِن نفيها أكيد، وبنفى الاستطاعة للصبر، فإنه آكد من نفى الصبر كما ينهى عن القرب إلى الشئ فى مقام النهى عن الشئ، فإن القرب والاستطاعة مما يتوقف عليه الفعل ففيهما أوكد من نفيه، وتنكير الصبر لئلا يبقى شئ ما منه، والآية دليل على أن الاستطاعة مع الفعل لا قبله، كما هو مذهبنا ومذهب سلف قومنا، كما أشار إليه إبراهيم الكورانى.
وقالت المعتزلة: إن الاستطاعة قبل الفعل لا معه، وكذا قال الأشعرية، وكما قال الفخر إذ لو كانت قبله لكان نفيها كذبًا.
وأنا أقول: تطلق معه، وتطلق أيضًا قبله، كما يقال لفلان طاقة على كذا، ولو قبل فعله، وكما وردت فى الحد قبله ولا فرق. وكيف يتخلف الأمر بين الحج وغيره.
وحاصل ذلك أنها بمعنى يثقل الصبر على موسى، كما يقال لا يستطيع أن يرى فلانًا، وليس هذا خروجاً عن الظاهر كما توهم، وذكر بعض أنه لا دليل فى الآية إذ ليس المراد إلا نفى للصبر نفى الاستطاعة التى يتوقف هو عليها، وهذا موجود حصلت قبله أو معه، وخبراً مفعول به لتحط لأنه فى معنى تدرك، أو مفعول مطلق لتضمن تحط معنى المعرفة أو تمييز للهاء أى ما لم تحط بخبره، أو لم يحط به خبرك، لأن معتادك علم الظاهر وهو حالك، وهو مناف لظاهر علم الحقيقة فتنبنى إلى السفه والمنكر فإِن شأن الصالح أن يشتد إِذا رأى ما خالف الحق، ولا يملك نفسه، ولا سيما نبى شريعة، ولا سيما مع حدتك بالطبع حتى جررت إليك أخاك بلحيته ورأْسه.
وهذا إن علم الخضر بأنه فعل ذلك، أو علم أنه سيفعله، وذلك فى الأولين وأما الثالث فلا إِنكار شرعيا فيه، لأن ترك أخذ الأجرة مباح لا معصية، بل طاعة لمن نواها، وذكر فى الأخبار أن موسى جر الخضر برجله ليلقيه فى البحر فتذكر وندم.