التفاسير

< >
عرض

فَٱنطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَآ أَتَيَآ أَهْلَ قَرْيَةٍ ٱسْتَطْعَمَآ أَهْلَهَا فَأَبَوْاْ أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً
٧٧
قَالَ هَـٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً
٧٨
-الكهف

تيسير التفسير

{ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ } تلمسان وأهلها أشحاء إِلى الآن، وقيل: قرية فى الجزيرة الخضراء من أندلس، روى القولين بعض المشارقة، ولعل المراد أنها قرية فى أرض هذه العدوة، تقابل الجزيرة الخضراء من عدوة أندلس، وقال الجمهور: القرية أنطاكية وهو مروى عن ابن عباس رضى الله عنهما.
وروى ابن أبى حاتم من طريق قتادة أنها برقة، وهى على المشهور فى المغرب الأدنى إِلى المشرق، وقيل: قرية بأرض الروم، وأخرج ابن أبى حاتم، وابن مردويه أنها باجروان، فاختار بعض أنها بنواحى أرمينية.
وأخرج ابن أبى حاتم، عن محمد بن سيرين: أنها أبلة بشد اللام، وقيل: ناصرة على الساحل، تنسب إليها النصارى، ولا يوثق بشئ من ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أتيا أَهل قرية لئامًا" .
{ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا } نعت قرية، وجواب إِذا: { قال لو شئت لاتخذت عليه أجراً } وقال أبو البقاء وغيره: جواب إذا هو قوله: { استطعما } وقوله: { قال لو شئت لاتخذت عليه أجراً } مستأنف، والمختار أنه نعت، وجواب إذا { قال لو شئت } إلخ ولم يقل استضافا لأنهما أرادا مطلق الإِطعام، وبما أمكن لا خصوص الإضافة، والميل إلى بيت أحد.
ورأيت منذ خمسين عامًا فى زمان الشبيبة أبياتًا للصلاح الصفدى يسأل فيها السبكى، وهى فى شرح الدمامينى على المغنى، الذى ألفه فى الهند الذى يقول فيه: قال أقول أبياتًا فى السؤال عن تكريم ذكر أهل إذ لم يقل فانطلقا حتى إِذا أتيا أهل قرية استطعماهم ونصها:

أسيدنا قاضى القضاة ومَن إِذا بدا وجهه استحى له القمران
ومَن كفُّه يوم النَّدَى ويراعه على طِرسه بحران يلتقيان
ومَن إن دجت فى المشكلات مسائل جلاها بفكر دائم اللمعان
رأيت كتاب الله أفضل معجز لا فضل مَن يهدى به الثقلان
ومن جملة الإعجاز كون اختصاره بإيجاز ألفاظ وبسط معان
ولكننى فى الكهف أبصرت آية بها الفِكر فى طول الزَّمان عنانى
وما هى إلا استطعما أهلها فقد ترى استطعماهم مثله ببيان
فما الْحِكْمة الغرَّاء فى وضع ظاهر مكان ضمير إن ذاك لشانى
فأرشد على عادات فضلك حيرتى فما لى لها عند البيان يدان

فأجابه السبكى: بأن استطعما أهلها نعت لقرية لا جواب لإذا، لأن كونه جوابًا لإذا يوهم أن قصدهما كله أو معظمه الأكل، وليس كذلك بل قصدهما كله إظهار عجائب إعظاما لله عز وجل، ولا نعت لأهل لأنه يوهم أن القصد بيان حال الأهل، من حيث هم هم، ولا يكون للقرية أثر فى ذلك، وليس كذلك فإنا نجد بقية الكلام مشيراً إليها نفسها.
قلت: فى هذا التعليل نظر، لأن أهلها جرى لهم ذكر فى قوله: { استطعما أهلها }، وفى قوله: { أبوا أن يضيِّفوهما } بل وفى قوله:{ لاتخذت عليه أجراً } لأن أخذ الأجر عنهم لا عن قريتهم ولا فرق بين جريان الذكر للقرية، ولهم فى أن ذكر إحداهما بالذات، والأخرى بالعرض، وأجاز الأوجه الثلاثة، واختار نعت القرية، وأجاز كون الأهل الثانى غير الأول، أو بعضا من الأول، وبعضا من غيره فكان الأظهر فإن من أتى قرية يلتقى أولا ببعضهم، ثم بالبعض الآخر، فقد تشير الآية إِلى أنهما استقصياهم أو جلهم فأبوا، وللبقاع تأثير فى الطباع.
ويجوز أن تكون نكتة التكرار التحقير لهم بذكرهم باسم الأهل مرتين، وصفهم بالإباء، إِذا أردت تقبيح عمرو بتأكيد قلت عمرو بخيل، عمرو جبان، وكون المعرفة عين الأولى هو الأصل، والكثير لا واجب، ولذا صح أن يكون الثانى غير الأول، أو يقال الأهل الأول البعض، والثانى أعم إِذ فى إبداء دخول القرية لا يمكن إِتيان أهلها، ولا سيما أنه روى أنهما دخلاها عند غروب الشمس فذلك مرور على بعض والأكثر صُبحا.
وروى أنهما يمشيان على مجالسهم يستطعمانهم، ولو جئ بالضمير لفهم أنهما استطعما البعض، وقيل: الأهل الأول الجميع، وإِتيانهم الوصول إِليهم، والحلول فيهم، والثانى البعض سؤالهم كلهم متعذر، والظاهر أنهما سأَلا بعض الرجال.
وعن أبى هريرة: أطعمتهم امرأة من بربر إِذ امتنع الرجال، فلعنا رجالهم، ودعوا لنسائهم، والله أعلم بصحة ذلك، واختار بعض أنهما استطعما الرجال المعتبرين بظاهر حالهم، فأبوا وغيرهم أولى بالإباء بحسب المعتاد، والأهلان واحد، وذكر بعض أَنه أعيد الظاهر لئلا يلتقى ضميران. وهذا مما يذكر ليرد لكثرة ذلك فى القرآن وغيره، ومن ذلك فدعوهم وقوله: { فأَبوا أن يضيِّفوهما } ولم أَر من أَجاب بالنظم، فأجبت بأبيات على أَنه قد يوجد فى الإسقاط ما لا يوجد فى الإسقاط وهن:

خذ الحِكْمة الغَرَّاء استطعما لما يلى صفة وجها لأهل اللسان
ولو جئ بالضمير لم يلف رابط من اللفظ موجود ولا منه فانى
وجوّز أن يكون نعتــا لأهلهــا ورجّح أول وضعّف ثانى
ويربط باسم ظاهر هـو أهلهـا كقولك عبد الله قام ابن جانى
ميـداً بعــبد الله وابــن لواحــد فذلك معنى فيه لا معنيان
وإن طلاب الطعم من عرض ولو جوابا جعلت كان قصد جنان
بذات حشاهما وقــال جـواب مـا تقدم من شرط هما قاصيان
وفـى جعلــه نعتـًا لأهـل إِشـارة إلى شرح حالهم وليس بدانى
فــإن الكـلام سـِيق بعــد لقريــة وليس لأهلها كما فى العيان
أو الأهل غير الأوَّليـن بعينهــم أو لبعض منهم فذا مسلكان

وليس ذلك عندى، ولكن أجبت على مقتضى جواب السبكى، وهو المسئول إذ لا مانع من أن يكون استطعما جواب إِذا بأن ذكر الله وقعنهما على ترتيبها فى الوجود، ويعلم من خارج أن مقصودهما بالذات ليس الطعام، مع أنه جرى ذكر الأهل أكثر مما جرى ذكر القرية، فانظر قوله: { أبوا } وقوله: { يضيفوهما } وقوله:{ لاتخذت عليه أجراً } فبان الآخذ عنهم لا عنها، وقوله: { لغلامين } وقوله: { لهما } وقوله { أبوهما } وقوله: { أشدهما } وقوله: { يستخرجا }، وقوله: { كنزهما } وقوله: { رحمة من ربك } فإن الرحمة للناس للقرية، ألا ترى أنه يبعد معنى { حتى إذا أتيا أهل قرية }. { قال: لو شئت لاتخذت عليه أجراً } ولو اعتبر ما بينهما، واعتبر أن المقصود بالذات قوله لاتخذت، لأنه كالسؤال الذى نهاه عنه، واعتبار هذا الأخير هو العمدة فى جواب السبكى، بل جعله نعتًا ضعيف، لأن الأصل فى النكرة أن علم وجود مضمونها، وخفى عنه تمييزه، فتقيد له النعت، والمخاطب بالآية لا معرفة لها بها البتة صلى الله عليه وسلم، ثم بعد مضى نحو خمسين عامًا وجدت جوابًا لبعضهم هكذا:

لأسرار آيات الكتاب معانى تدِقّ فلا تبدو لكل معانى
وفيها لمرتاض اللبيب عجائب سَنَا برقها يعنو له القمران
إِذا بَرْق منها لقلبى قد بدا هممت قرير العين بالطيران
سروراً وإبهاجا وصولا على العدا كأنى على فرق السِّماك مكانى
فيا الملك والأكوان ما البيض ما الفنا وعندى وجوه أسفرت بتهانى
وهانيك منها قد أَبَحْتُكَ سِرّها فشكراً لمن أولاك حُسن بيان
أرى استطعما وصفًا على قرية جرى وليس على أهل فذلك وزانى
صناعتنا تقضى بأن أستر ما يعود إليه ماله من مكان
ويضعف أنه جواب وأول الثلا ثة هذه بحسنٍ سبانى
ورضت به فِكْرى إِلى أن تمخضت به زبدة الأحقاب منذ زمان
وإن حياتـى فــى تمــوج أبحــر من العلم فى قلبي يمدّ لسانى

وأجاب بعض نظما بقوله:

سألت لماذا استطعما أهلها أنى عن استطعامهم إن ذلك لشانى
وفيه اختصار ليس ثم ولم تقف على سبب الرُّجحان منذ زمان
فهــاك جوابــًا رامًــا لنقابــه يصير به المعنى كرأى عيان
إِذا ما استوى الحال فى الحكم رجِّح الـ ضمير وأما حين يختلفان
فقد كان فى التصريح إظهار حِكْمة كرفعة شان أو حقارة جانى
كمثل أميـــر المؤمنيــن يقــول ذا وما نحن فيه صرحوا بأمان
وهذا على الإيجاز والبسط جاء فى جوابى منثور بحُسْن بَيَان

{ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا } أن ينزلوهما، ويميلوهما إِليهم، من ضاف السهم من الهدف مال عنه إِلى جانب، وضافت الشمس مالت للغروب، والإباء أشد الامتناع، وذلك لم يستغن عنه بقوله: فلم يضيِّفوهما، ولا يخفى أن الاستطعام طلب الطعام على وجه الضيافة، مثل أن يقولا: إنا غريبان فأطعمونا، والغريب يضيَّف أو أن يقولا: إِنا غريبان فضيِّفونا، ولذلك قال: { فأبوا أن يضيِّفوهما } ولو كان طلبهما بلا ذكر ضيافة أو تلويح إِليها لقال فأبوا أن يطعموهما، ومع ذلك لم يقل الله عنهما استضافا، ولو قال: أضيفونا، وإن لم يذكر الضيافة علموا أنهما ضيفان، بل قال استطعما، لأن مقصودهما الطعم فقط، لا الإيواء إلى بيت أو دار.
وفى أبوا أن يضيفوهما تشنيع ليس فى أبوا أن يطعموهما، لأن الكريم قد يغفل عن السائل أو يرده، ولا يعاب عليه مثل ما يعاب عليه إذا رد الوارد ضيفا ولا يرد الضيف إلا اللئيم، ومن أعظم ما تهجو به العرب البخيل قولهم: فلان يطرد الضيف، ودونه يحرم الضيف، وشر القرى التى لا يضاف فيها لابن السبيل حقه.
وذكر بعض أن أهل تلك القرية لما سمعوا نزول الآية، أتوا إِلى النبى صلى الله عليه وسلم بحمل من ذهب وقالوا: خذه وقيل: أتوا أن يضيفوهما بالمثناه الفوقية، بدل الموحدة، وقيل: أتوا فى زمان علىّ، ولم يصح شئ من ذلك، ولو صح لكان أخبث لهم من الشح، إذ طمعوا أن يبدل النبى صلى الله عليه وسلم، أو على القرآن، ولو بالدنيا وبإِسلام أهلها كلهم، وعطف على أتيا بقوله:
{ فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا } على الشارع، بأن التجآ إليه فى ليلة باردة، إِذ لم يجدا مأوى، وطوله إِلى السماء مائة ذراع عن وهب بن منبه ومائتا ذراع عن الثعلبى، وعلى الأرض خمسمائة ذراع، وعرضه خمسون، يمرون تحته خائفين.
{ يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ } ينفعل من القض، بمعنى الكسر، والمراد السقوط بسرعة والسقوط من لازم الانكسار، أو من القضة وهى الحصى الصغار، يقال: طعام قضض إذا كان فيه الحصى، والمعنى يريد إِن يكن حصى بابًا لتفتت، ومن لازم ذلك أن يسقط أو افعل بشد اللام من المقض، وفيه أن فعل بشدها فى الألوان والعيوب، كأحولّ بشدها، ويضعف أن يقال: الانقضاض ملحق بالعيوب، لأنه ليس موضوعًا بالذات للعيب، ونسبة الإرادة إلى الجدار، وإِسناد الإرادة إلى الجدار، مجاز عقلى، لأن إرادة الشئ سبب لقربه، وبلزوم قربه، فالمراد قرب وقوع الجدار، أو استعارة بأن شبه قرب السقوط بالإرادة لجامع الميل، أو شبه الجدار بالإنسان أو الحيوان الآخر، ورمز إلى التشبيه بلازم الحيوان، أو الإنسان، وهو الإرادة.
وفى أصول الفقه أن محمد بن داود الأصبهانى منع المجاز فى القرآن، فرد الضمير إِلى الخضر أو موسى أو الجدار، على أن الله خلق فيه الإرادة، وذلك تكلف.
وقال أبو حيان: لا يصح منه إنكار المجاز، ولو صح عن أحد إنكار المجاز فى القرآن لقلنا إنه أهل لأن يكون للحوافر والأظلاف مجازاً، وينافى إِرادتهما أن ينتقض.
{ فَأَقَامَهُ } إِلا أن يتكلف أن الخضر أراد هدمه، ثم ظهر له أن يصلحه، وأما موسى فلا وجه لإرادته أن ينتقض، وعن أُبىّ بن كعب: أنه قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يريد أن ينقض فهدمه ثم يبنيه" ، وعن ابن عباس وابن جبير أقامه بمسحه بيده، وقيل: أقامه بعمود عمده، وقال مقاتل: سواء بالشيد.
{ قَالَ } موسى { لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ } أى على إقامته بالمسح، أو بالتعميد، أو بالبناء بعد الهدم، أو بالتخصيص { أَجْرًا } لا يقال هذا مانع من كون الإقامة بالمسح، إذ لا تستحق الأجرة لسهولتها، ولا سيما أن يكون الطالب نبيًا، لأنا نقول: يحل طلب الأجرة ولو كثيرة على عمل ولو يسيراً، ولو كان يسره بقدرة إِلهية غير جارية على المعتاد، والمتبادر أن قوة نفس موسى ضعفت، فلم يبق له السؤال إلا بهذه العبارة.
واتخذ افتعل من تخذ أدغمت تاء تخذ فى تاء افتعل، وقيل: افتعل من أخذ، أبدلت همزته تاء وأدغمت فى تاء افتعل، حثه موسى عليهما السلام على أخذ الأجرة، لأن إقامته عمل كبير، وهما محتاجان، ولا سيما قد حرموهما من الإطعام، حتى كأنه سأله: لِمَ لَمْ تَاخذ الأجر، وقد شرط ألا يسأله حتى يحدثه ذكراً، وقد شرط على نفسه إن سأله ثالثة أن لا يصاحبه، فقال له الخضر: ما ذكر فى قوله تعالى:
{ قَالَ } له الخضر: { هذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ } وذلك أن قوله: "لو شئت" إِلخ بمعنى إنى عالم بأنك أهل للأجرة على عملك، فلِم لم تأخذوها فهو لازم الفائدة، لا مجرد إخبار بأنه لو شاء لأخذ الأجر، إذ لا فائدة فى هذا.
ويُبعد ما قيل إنه قال ذلك للخضر تعريضًا، بأن إِقامته فضول بما لم يطلب منه، مع احتياجهما وحرمانهما، وإِنما فارقه الخضر على هذه الثلاثة، ولم يصبر له لثقل الاعتراض عليه، مع أن موسى عقد على نفسه الفرقة عليها، ولأن هذه غير منكر، لأن ترك الأجرة إِحسان بخلاف الأوليين، فظاهرهما منكر، ولأن الثلاثة لنفسه، والأوليين لله كما روى عن ابن عباس، ولو قيل إن هذا لا يصح عنه بجلالتهما عن تمخض طلب الدنيا، والإشارة إلى الفراق المذكورة فى قوله: "فلا تصاحبنى" أى هذا فراق فى ذهنى موافق للذى ذكرت، أو إلى الزمان الحاضر، أى هذا الوقت فراق، أو الاعتراض أى سبب فراق بينى وبينك إعادة الجار فى العطف على المجرور المتصل هى الفصحى، وإجراء الكلام عليها للتأكيد إذا لو قال هذا فراق بيننا لصح، وذلك من إضافة المصدر إلى الظرف اتساعًا وقررها ابن الحاجب بفى.
ويقال بالمعنى لا بالوقوع تحقيقا أن يقال له حين أنكر خرق السفينة: أين تدبيرك وأنت فى التابوت ملقى فى البحر، وكسرت ألواح التوراة بإلقائها، وحين أنكر قتل الغلام قد قتلت القبطى بوكزة، وحين أنكر إِقامة الجدار بلا أجر قد رفعت الحجر عن البئر، وسقيت لبنتى شعيب بدون أجر.
وقد قيل: إنه خاطب موسى بذلك مرة عند إرادة الفراق، ولا يصح ذلك، قيل إلا إن قيل بالمعنى، ولما أراد الفراق قال للخضر: أوصنى قال: كن نفاعا لا ضراراً وبشاشًا لا غضبانًا، ودع اللجاجة، ولا تمش فى غير حاجة، ولا تعير امرأً بخطيئته، وتعلم العلم للعمل به لا للتحدث به، وقال: ادع لى، فقال يسر الله عليك طاعته.
{ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا } التأويل رد الشئ إِلى مآله، والمراد هنا المئول وهو العاقبة والمآل، وعليه متعلق بصبراً، قدم عليه ولو كان ممول المصدر لا يقدمه للفاصلة، وفى التعبير بما لم تستطع دون ما فعلت، أو ما رأيت تعريض بعتاب موسى، وللتنبيه على أن يتقوى لما يلقى إليه من التأويل، وذلك بلا طلب من موسى، لكن ليزول هم موسى، وليحسن الظن بالخضر، وقيل أمسكه بثيابه وقال: لا أفارقك أو تخبرنى بما فعلت من الخرق والقتل والإقامة، فقال سأنبئكم إلخ.