التفاسير

< >
عرض

أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً
٩
-الكهف

تيسير التفسير

{ أَمْ حَسِبْتَ } أم منقطعة فهى حرف ابتداء مقدرة ببل، والهمزة الاستفهامية عند الجمهور، وبالهمزة وحدها عند قوم، وببل عند قوم، والهمزة المقدرة للاستفهام الإنكارى، وفى كل موضع بما يصلح له، وبل للانتقال لا للإبطال.
{ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا } أفرده مع أنه خبر كانوا، أو حال لأنه مصدر بمعنى معجوبا بهم، والمعنى: أتظن أن قصتهم عجب، وتغفل عما هو أعجب كخلق السموات والأرض وغيرهما، ولم يتعظ قومك بهما، ولم يؤمنوا فلهم الويل مما يصفون، بلغ بهم الإنكار حتى بلغوا إلى السؤال عن أصحاب الكهف تعنتًا، ولم يعلموا أن جعل ما على الأرض صعيداً بعد تمكنه فيها من أعظم الآيات، لا خصوص أصحاب الكهف.
والذى يتبادر لى إِثبات أنهم عجب، وإِخبار به، كما نقول لمن لم يعلم بقيام زيد: أعلمت أنه قام ولا ضعف فى هذا، كما قيل فهو تنبيه على قدرته تعالى، وهو الغار الواسع فى الجبل، وإن لم يتسع لم يسم كهفا، وقيل: الغار فيه مطلقا، وقيل فيه أو فى الأرض، والرقيم اللوح من حجر أو حديد أو رصاص أو ذهب رقمت فيه أسماؤهم، وقال بعض: رقمت فيه قصتهم وأمرهم، وجعل على باب الكهف، وقيل: فى تابوت فى فم الكهف، وقيل وضع تحت جدار اليتيمين، وقيل: فى سور المدينة، فرقيم بمعنى مرقوم، كقوله تعالى:
" { كتاب مرقوم } " [المطففين: 9، 20] وقيل: فى ذلك اللوح دين عيسى، لأنهم من الروم أخذوا بدينه، وهو رواية عن ابن عباس.
وقيل: من حين قبل عيسى قال قتادة: الرقيم دراهمهم التى معهم، وقيل: اسم الجبل الذى فيه كهفهم، وقيل اسم الوادى الذى فيه كهفهم، وعليه ابن عباس، وعنه: وادٍ دون فلسطين قريب من أيلة، وقال كعب الأحبار: إنه اسم قريتهم، وقيل: اسم كلبهم، قال أمية بن أبى الصلت:

وليس بها إلا الرقيم مجاورا وصيدهم والقوم فى الكهف همَّدا

أراد بالرقيم الكلب، كما قال الله جل وعلا: " { وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد } " [الكهف: 18] وهمّداً حال بمعنى نوّام فللعرب معرفة بأصحاب الكهف، ولو لم يضبطوا تفصيل قصتهم، وقيل: أصحاب الرقيم قوم آخرون، والرقيم واديهم أو جبلهم، وكهفهم غير ذلك الكهف.
أنه خرج ثلاثة نفر ينظرون أين النبات ليرعى أهلوهم عليه مواشيهم، فاشتد عليهم المطر، فدخلوا غاراً فسقطت صخرة سدت بابه، فقال أحدهم: توجهوا إلى الله بما عملتم من البر.
فقال أحدهم: استعملت أُجراء فجاء رجل وسط النهار، وعمل فى بقيته مثل عملهم، فأعطيته مثل أجرهم، وهو فرق من أرز فغضب أحدهم وترك أجره جانب البيت، فاشتريت به هدما حرثته له، وأمَّا فصيلة، وتجرت له وأنسلت الفصيلةُ، فرجع إلىّ بعد مدة شيخا ضعيفا لا أعرفه، وقال لى: عندك حتى فذكره فعرفته فأعطيته الجميع، فقال: أتهزأ بى؟ فقلت: لا بل هو حقك، اللهم إن كنت فعلت ذلك لأجلك فأفرج عنا، فتحركت حتى رأينا الضوء.
وقال آخر: كنت غنيا وافتقر الناس، فطلبت منى امرأة معروفا فأبيت إلا بجماعها، فرجعت ثم عادت ثلاثا، وذكرت لزوجها فقال: أغيثى عيالك، فلما كشفتها ارتعدت، فقلت: مالك؟ فقالت: أخاف الله، فقلت: خفته حال الاحتياج، وكيف لا أخافه فى الرخاء وتركتها، وأعطيتها ما طلبت، فانتقلت الصخرة حتى تعارفوا.
وقال الثالث: لى أبوان كبيران جدا وكنت أطعمهما وأسقيهما، ثم أرجع إلى غنمى فحبسنى المطر يوما، فأتين أهلى وأخذت محلبى فحلبت لهما، فوجدتهما نائمين، وكرهت إيقاظهما فتوقفت جالسا ومحلبى على يدى حتى أيقظهما الصبح، فسقيتهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك لوجهك فأفرج عنا، فتحركت حتى خرجوا.
وفى رواية: أن صاحب المحلب وقف الليل كله، ومحلبه بيده، والبرد شديد حتى قطرت يده دما، ويروى أنه ينصدع لهم الجبل عن الصخرة، والقصة من رواية النعمان بن بشير، وابن عباس، وأنس.