التفاسير

< >
عرض

آتُونِي زُبَرَ ٱلْحَدِيدِ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ ٱلصَّدَفَيْنِ قَالَ ٱنفُخُواْ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِيۤ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً
٩٦
-الكهف

تيسير التفسير

{ آتُونِى زُبَرَ الْحَدِيدِ } قطع الحديد، جمع زبرة كغرفة وغرف، وذلك من زبرت الكتاب جمعت حروفه، وزبرت الحديد جمعت فيها أجزاء منه، وطلب إيتاء الزبر لا ينافى أنه لم يقبل منهم شيئًا، لأنه أراد آتونى بزبر الحديد أستردها منكم، أو أراد ناولوها إياى، وهى من مالى ومال الله، فهذا من الإعانة بالقوة.
وأما أن تقول الإيتاء بزبر الحديد على طريق العارية، فلا يجرى فى الجواب، لأن ذلك إعانة بالمال لا بالقوة وحدها، ولا يقال أراد بالخرج المال الكثير المقاوم، أو المقارب، أو المقارب لما يعمل لهم من النفع، وأما ما قل فلا بأْس به، ودخل فى قوة وأراده فيها، لأنا نقول: الزبر غير قليل، لأنها أعظم ما يحتاج إليه السد، وأغلى، ولذلك لم يذكر الصخر والحطب، وقد يكون زبر الحديد مرادا عملها له من ماله ومال الله، وقد تكون مستثناة، كأنه قال لا أحتاج إلى مالكم إلا زبر الحديد وقوتكم، وقد يكونون أرادوا بالخروج ما يستمر على الدوام كالخراج المضروب على الناس، أو على أرضهم مثلا لا ما ينقطع كالزبر، وهنا حذف تقديره فآتوها إياه فجعل بينى.
{ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ } حتى صار ما بين الجبلين من بنائه مساويًا لهما فى العلو، وضمير ساوى للسد المفهوم أى ساوى السد الهواء المقابل للجبلين بينهما من الأرض إلى فوق، فلزم مساواة الجبلين، ولو كان لذى القرنين لقال: ساوى بشد الواو وأجازه بعض، والمشهور أن الصدف الجانب من الجبل.
{ قَالَ } ذو القرنين لعملة { انْفُخُوا } بالكيران فى زبر الحديد المسطرة مع الصخر بين الجبلين، وهنا حذف تقديره فجعلوا ينفخون.
{ حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ } صيره { نَارًا } كنار فى الحرارة واللون والضمير فى جبل لذى القرنين مجازاً، لأن الجاعل العملة، وأسند الجعل إليه لأنه العمدة والأمر أو يقدر مضاف، أى جعل عملته، والهاء للمنفوخ فيه.
{ قَالَ } للذين يتولون أمر النحاس وإذابته، وللنافخين { آتُونِى } أعطونى من المتولين أمر النحاس أى صيروا القطر آتيا أى حاضراً { أُفْرِغْ عَلَيْهِ } أى على المنفوخ فيه { قِطْرًا } نحاسًا مذابًا عند الجمهور، أو رصاصًا مذابا أو حديداً مذابًا، ومفعول آتونى محذوف أى آتونيه برد الهاء للقطر، ولجواز عود الضمير للمتأَخر فى التنازع، وقطراً مفعول أفرغ، ولو كان هو المفعول لأفرغ لقيل أفرغه، ولا مانع من جعله مفعولا به لآتونى وحذف ضميره من أفرغ، وإسناد قول آتونى والإفراغ إلى ذى القرنين كإسناد الجعل إليه، وهنا حذف تقديره فآتوه القطر، فأفرغه عليه، والتصق بعض ببعض، فصار جبلا صلداً، فجاء يأجوج ومأَجوج، وقصدوا أن يعلوه أو ينقبوه أو امتثلوا أمره.