التفاسير

< >
عرض

قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلْنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْراً مَّقْضِيّاً
٢١
فَحَمَلَتْهُ فَٱنْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً
٢٢
-مريم

تيسير التفسير

{ قال كذلك قال ربُّك هُو علىَّ هينْ } هذا إبطال للاستبعاد وتقرير التحقيق. وتقدم كلام فى مثل هذا أو لا يبعد أو يجعل هنا كذلك مبهما وقال: ربك إلخ تفسير له، ويكون الأمر كذلك تصديقاً للاستبعاد أو الأمر كما وكدت تحقيقاً له، وقال ربك إبطال للبعد، وتقرير للتحقيق، ومقول القول الثانى هو: { علىَّ هيِّن } وإِن رد القول لما قبله قدر، قال هو علىَّ هيِّن، لأن جبريل لا يقول هو علىَّ هَيِّن.
{ ولنجْعَلهُ آيةً للنَّاسِ } أى وفعلنا ذلك، أو قضينا ذلك لنجعله آية للناس، أى لنجعل ذلك الفعل أو القضاء أو الغلام، أو وهب الغلام، أو لنجعله آية لها وبرهاناً، ولنجعله آية للناس كلهم آو المؤمنين، كما لابْن عباس يستدلون به على كمال قدرتنا، أو لنبين به عظم قدرتنا ولنجعله آية أو يعطف لنجعله على لأَهَبَ بالهمزة بلا التفات، أو على لأهب بالياء على طريق الالتفات من الغيبة الى التكلم، وفى الوجهين بعد تبين المتعاطفين.
{ ورحمةً } عظيمة { منَّا } يهتدون بهداه { وكان } ذلك { أمراً مقْضياً } محكماً قضى به فى الأزل أو المعنى أنه كتب فى اللوح أو اقتضته الحكمة، ورحمتنا الواسعة، والجملة تذييل لهبة الولد، وما يتعلق بها، ولجعله آية ورحمة، فاطمأنت إلى قول البشر السوى، فدنا منها فنفخ فى جيبها، فدخلت النفخة فى جوفها، فكان ما ذكر الله عز وجل فى قوله:
{ فحملته } وقيل نفخ من بعيد، فوصل النفخ جوفها كما روى عن ابن عباس، وقال ابن جريج: فى كمها، وقيل فى ذيلها، وقيل فى فيها، وسنها ثلاث عشرة حينئذ، وعن وهب ومجاهد: خمس عشرة، وقيل: ست عشرة، وقيل: أربع عشرة، وقيل: اثنتا عشرة، وقيل عشر، وكان الحمل بعد حيضتين، وقال محمد بن الهيصم رئيس الكراهية الهيصمية: لم تحض كما قيل: إنها مطهرة البتة، ومدة حملها تسعة أشهر أو نحوها على المعتاد، كما روى عن ابن عباس، ومحمد الباقر، إذ لو خالفت ذلك لذكر فى غرائبها المذكورة فى السورة، وقيل ساعة واحدة، كما دل له التعقيب على ظاهره بلا تأويل فى قوله:
{ فانْتَبذتْ به } أى اعتزلت، وهو فى بطنها، والباء متعلق بانتبذت أو بحال محذوفة وجواباً كوناً عاماً أى ثابتة معه، أو جوازاً كوناً خاصاً، أى ملتبسة به، ويدل أيضاً لكونه ساعة أنها محل الرحمة مع ذكر الرحمة قبل، ولو طالت المدة لطال عتاب الناس لها، أن ظهر حملها، ويدل له أيضاً قوله تعالى:
" { إنَّ مثل عيسى عند الله } " [آل عمران: 59] الخ إلى قوله: " { ثم قال له كن فيكون } " [آل عمران: 59] المقتضى للسرعة، ولو بقيت طينة آدم مدة طويلة.
وعن عطاء، وأبى العالية، والضحاك: حملته سبعة أشهر، وقيل ستة، وشهر ثمانية أشهر، ولم يحى مولود فى ثمانية أشهر غيره، فذلك من خصوصياته، وقيل حملته ساعة، وصور فى ساعة، وضعته فى ساعة عند الزوال من يومها، وأقل ما يتحرك الولد بعد أربعة أشهر، أو فى آخرها، وقيل بعد ثلاثة أشهر، وقيل شهران، وهما ثلث الولادة، وهو ستة أشهر أقل ما يحيا به الجنين.
وزعم بعض أن الخلقة تتم فى أقل من خمسين يوماً. { مكاناً قصياً } بعيداً من أهلها، لما أثقلت، وجعت وجع الحوامل، وهربت من بيت النبوة حياء إلى جهة المشرق، وكان قومها يسألون عنها، فلا يجدون مخبراً، وكان معها ابن عم لها يوسف النجار، ذهب معها إلى مسجد عند جبل صهيون، وكانا يخدمان هذا المسجد، ولا أشد عبادة واجتهاداً منهما فى زمانهما، وهو أول من علم بحملها، وهو عالم بصلاحها، لا تغيب عنه.
وقال: وقع فى قلبى شىء ذكره أشفى لصدرى، فقالت: قل قولا جميلا، فقال: هل ينبت بذر بغير زرع؟ وشجرة من غير غيث؟ وولد من غير ذكر؟ فقالت: أنبت الله الزرع يوم خلقه بلا بذر، والشجرة بلا غيث، أيعجز الله عن ذلك؟ قال: لا، فإن الله يقول للشىء كن فيكون، قالت: والله خلق آدم وحواء بلا ذكر ولا أنثى، فزال همه، وناب عنها فى خدمة المسجد لضعفها بالحمل، والهم.
قيل: أوحى الله عز وجل إليها لما دنت ولادتها، اخرجى من أرض قومك لئلا يقتلو ولدك، فحملها يوسف على حماره إلى مصر، وولدت فى أهناس من أعمال مصر، وقيل مكاناً قصياً فى دارها، وهو أنسب لقرب مدة الحمل.