التفاسير

< >
عرض

أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَٱجْتَبَيْنَآ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ ٱلرَّحْمَـٰنِ خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً
٥٨
-مريم

تيسير التفسير

{ أولئك } إشارة ببعد علو المرتبة إلى المذكورين فى السورة الكريمة { الَّذِين } خبر على حذف مضاف، أى بعض الذين، لأن الله تبارك وتعالى أنعم أيضا على غير من ذكر فى السورة من سائر الأنبياء وغيرهم، أو نقول الحصر إضافى بالنسبة الى غير الأنبياء جعل نعم غير الأنبياء كلها نعمة بالنسبة الى نعمة من ذكر فيها، قيل أو أولئك منصوب على المدح، والذين تابع أى أمدح أو أعظم الذين ولا تضع الى مثل هذا، إذ لا دليل عليه.
{ أنعَم الله عليْهِم } بنعم الدين والدنيا والآخرة { من النَّبيِّين } من للبيان للموصول، أو لهائه أو للتبعيض حال من أحدهما ويندفع إشكال الحصر، جعل من النبيين خبر أولئك، والذين تابع، وفائدة الإخبار أن لله أنبياء كثيرين وما هو إلا بعضهم ويجعل الخبر قوله { من ذرِّية آدم } وفائدته ما عطف عليه بمعنى أنهم من آدم ونوح الخ، وبالحصر على طريقة العرب فى المبالغة، ودعواها كما يقولون: الرجل هو زيد مع معرفتهم بوجود مثل زيد، وأعظم عنه، وبجعل الإشارة الى الأنبياء كلهم على طريق الاستخدام، أو بجعل الخبر إذا تتلى عليهم الخ ورجحه بعض المحققين.
وقيل: من للبيان، وهى ومدخولها بدل من قوله: { من النبيين } بدل بعض من كل، على أن المراد بالذرية الأنبياء خاصة، وهى غير شاملة لآدم، وفيه إطلاق البعض على الكل إلا واحداً، وأصل إطلاقه أن يكون للقليل أو للنصف، ومع بعده هو خال من الرابط، وقيل تبعيضه، لأن المنعم عليه أخص من الذرية من وجه لشمولها بناء على الظاهر المتبادر عنها، غير المنعم عليه دونه.
{ وممَّن حمَلْنا مع نُوحٍ } ومن ذرية من حملنا مع نوح، وهم سام وحام ويافث، إذ لم يلد غيرهم ممن فى السفينة، ولا ممن لم يعرفون أن ولد نوح الثلاثة بعد الطوفان فهم فى صلبه معه فى السفينة، والمراد من عدا، أنه إدريس، لأنه قبل نوح عليهما السلام، وأجمعوا أن إبراهيم من ذرية سام.
{ ومن ذرية إبراهيم } وهم الباقون وأنت خبير بأن هوداً أو صالحاً عليهما السلام قبل إبراهيم، فهم من ذرية نوح { وإِسرائيل } يعقوب، أى ومن ذرية إسرائيل كموسى وهارون وزكرياء ويحيى وعيسى فأولاد البنات من الذرية، لدخول عيسى ولا أب له، وجعْل إطلاقها عليه مجازاً بطريق التغليب خلاف الظاهر.
{ وممَّن هَدينا واجْتَبيْنا } عطف على من ذرية آدم، ومن للتبعيض، أى ومن جملة من هديناهم الى الحق، واخترناهم للكرامة والبنوة، أو عطف على من الذين، ومن للبيان، وفيه أن ظاهر العطف المغايرة، فيحتاج الىأن يقال المراد من جمعنا له الهداية والنبوة والاجتباء للكرامة، وهو خلاف الظاهر.
{ إذا تُتْلى عَليهمْ آياتُ الرَّحْمن خروا سُجَّداً وبُكياً } استئناف أو خبر ثان لأولئك، وهما جمعا ساجد وباك، وأصله بكوياً، قلبت الواو ياء وأدغمت، وكسر ما قبلها، وذلك كشاهد وشهود، وقاعد وقعود، وجالس وجلوس، وحالية سجداً مقدرة، على أن السجود كون الجبهة فى الأرض وأما على أنه الانحناء إليه فمقارنة وحالية بكياً مقارنة والسجود كسجود الصلاة، أو الخضوع، والخشوع أو الصلاة وهو ضعيف أو سجود التلاوة إذا قرأ آياتها عليهم، فالمراد آيات السجود، وهو لا يتبادر فضلا عن أن يستدل بالآية على وجوب سجود التلاوة، والصحيح آيات القرآن مطلقا والكتب الإلهيات قبله، والسجود الخضوع وقيل آيات العذاب، وقيل الجنة والنار، والوعد والوعيد.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"اتلوا القرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا" رواه ابن ماجه وإسحاق بن رواهويه، والبزار عن سعد ابن أبى وقاص، وقرأ عمر رضى الله عنه سورة مريم، فسجد ثم قال هذا السجود فأين البُكى، أى أين الذين يبكون كما فى الآية، رواه الطبرى وابن أبى حاتم والبيهقى بياء مشددة مصدر فى كلام عمر، ولا يتعين به، ولا يقرب أن يكون فى الآية مصدراً وينبغى أن يدعو الساجد بما يناسب آية السجود التى تلاها، فيقول هنا: اللهم اجعلنا من عبادى المنعم عليهم، المهتدين الساجدين لك، الباكين عند تلاوة آياتك، وفى الإسراء: اللهم اجعلنا من الباكين إليك، الخاشعين لك، وفى تنزيل السجدة: اللهم اجعلنا من الساجدين لوجهك، المسبحين بحمدك، ورحمتك، وأعوذ بك أن أكون من المتكبرين عن أمرك، وفى الحج: اللهم لا تهنَّا وأكرمنا، واجعل بنا من الخير ما أنت أهله، ولا تفعل بنا من الشر ما نحن أهله.