التفاسير

< >
عرض

فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِ فَسَوْفَ يَلْقَونَ غَيّاً
٥٩
-مريم

تيسير التفسير

{ فَخلفَ من بعدهم خَلف } قوم سوء، ويطلق على المفرد أيضا والاثنين، ومفتوح اللام فى الصلاح، وهو الأكثر، قال أبو نصررحمه الله :

* لنا خلف قد قام من بعده خلف *

وقال النظر بن شميل: السكون فى الخير والشر، والمفتوح فى الخير فقط، ومن استعمال المفتوح فى السوء قول لبيد:

ذهب الذين يعاش فى أكنافهم وبقيت فى خلف كجلد الأجرب

بفتح اللام، ولا يتعين إلا أن كان رواية صحيحة، وإلا فالاسكان يقبله الوزن، غايته إسكان ثانى السبب الثقيل، وقيل الإسكان فى الأولاد، والفتح فيهم وفى غيرهم، وسواء فيهما السوء والصلاح، ونسب لابن أبى حاتم، وعليه فيتبين السوء بقوله تعالى:
{ أضاعوا الصَّلاة } جنس الصلاة، أخروها عز وقتها كما قيل عن ابن مسعود والنخعى، ومجاهد وإبراهيم، وعمر بن عبد العزيز، أو الإضاعة الإخلال بشروطها من الطهارة والوقت، وقد قيل تأخيرها حتى يخرج وقتها، وقيل إقامتها فى غير جماعة وهو تشديد، إلا أن يكون حيث يخاف خراب المسجد، أو ضعف الجماعة، والآية فى تلك الأقوال واردة على الموحدين، وإخراج ابن أبى حاتم عن محمد بن كعب القرطبى، أن إضاعتها تركها، فشمل أهل التوحيد والشرك، ففى أهل الشرك خطاب لهم بفروع الشريعة كما قيل إنها فيمن لم يعتقد وجربها، فإنه مشرك خطوب بالفروع.
والمشهور عن ابن عباس أنها فى اليهود، وعن السدى أنها فى اليهود والنصارى، والمختار أنها فى الكفرة مطلقا لقوله بعد ذلك: "وآمن" وزعم بعض أنها فى قوم يأتون عند ذهاب الصالحين غير مشركين يزنون بالذكور فى الطرق، ولا يستحيون من أحد، وقولهم يأتون يخالف المعنى فى الآية.
{ واتَّبعُوا الشَّهوات } المحرمات، لا يتركون إلا مالم يقدروا عليه، وفيها أيضا مع حرمتها الاشتغال عن الصلاة، وعد بعض منها تزوج اليهود بالأخت من الأب، ولا يصح هذا عنهم، وإنما الذى صح عنهم أنهم يجيزون نكاح بنت الأخ، وبنت الأخت ونحوهما.
{ فَسوفَ يلْقَّون غياً } قال أبو إمامة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"هو نهر فى أسفل جهنم، يسيل فيه صديد أهل النار، لو ألقيت فيه صخرة ما بلغت قعره سبعين خريفاً" رواه الطبرى والطبرانى وغيرهما، وأخرج جماعة عن ابن مسعود: أن الغى نهر أو واد فى جهنم من قيح بعيد القعر، خبيث يقذف فيه الذين يتبعون الشهوات، وعبارة بعض أنه آثار فى جهنم، سيل فيها صديد أهل النار وقيحهم، وعن ابن عباس: واد فى جهنم تستعيذ من حره أعد للزانى المصر، وشارب الخمر المدمن، وآكل الربا لاذى لا ينزع أى لا يكف، والعاق وشاهد الزور، وعن قتادة: الغى السوء، قال المرقش الأصغر:

فمن يلق خيراً يحمد الناس أجره ومن يغو لا يعدم على الغى لائما

وعن ابن زيد: الغى الضلال، وهو المشهور، وعليه الضحاك والزجاج، وعلى ذلك فالمراد جزاء الغى، وهو ما ذكر، وقيل ظلالا عن طريق الجنة.