التفاسير

< >
عرض

رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَٱعْبُدْهُ وَٱصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً
٦٥
-مريم

تيسير التفسير

ويبعد ما قيل إنه خطاب منهم فى الجنة لبعض منهم فيها، وكذا " { وما كان ربك نسياً } " [مريم: 64] خطابهم لواحد، وذلك لا يوافق سبب النزول فيرتكبون أنها لم تنزل جواباً وهو خلاف المشهور.
{ ربُّ السَّماوات والأرْض وما بينهما } هو رب السماوات، أو بدل من رب والسماوات، هن السبع والأرض الأرضون السبع، وما بينهما ما بين الفريقين تفصيلا ما بين كل سماء وسماء، وما كل أرض وأرض، وما بين السماء والأرض، بمعنى ما بين أبعاض الفريقين، والبينة شاملة لمن سكن فيهن، وما فى الهواء، كما قيل: إن فى الهواء طيراً وبحراً من ماء، وحوتاً وذلك بعض ملكه، ولا ينتهى ملكه لدوامه، كيف يليق بجلاله أن يغفل أو ينسى أو يلغى من أطاعه واصطفاه للنبوة.
{ فاعْبُده واصْطَبر لعبَادَته } إذا كان الأمر ما ذكر من أنه رب السماوات الخ، أو ما كان نسياً أو ذلك كله فاعبده، لأنه المثيب على الأعمال، ولا تحزن على إبطاء الوحى، ولا لقولهم تركه ربه أو نسيه، أو غفل عنه، أو عطف إنشاء على خبر هو قوله:
" { رب السماوات } " [الكهف: 14] أو على قوله: " { وما كان } " [البقرة: 143] إلخ أى اعبده لسبب كونه لا ينسى، أو لكونه رب الخ، واصطبر على عبادته لسبب ذلك، واللام بمعنى على كقوله تعالى: " { واصطبر عليها } "[طه: 132] أو اللام لتضمن اصطبر معنى اثبت.
وأجيز أن يكون رب مبتدأ خبره اعبده، وهو ضعيف لاحتياجه الى كون الفاء زائدة، وللإخبار بالأمر، وأجيز أن يكون وما كان ربك الخ من كلام المتقين على أن رب السموات خبر لمحذوف، أى هو رب السماوات
" { واصطبر عليها } " [طه: 132] أو اللام لتضمن اصطبر معنى اثبت.
{ هَلْ تعلمُ له سمياً } مماثلا له فى اسم، مشارك له فى المعنى، مثل خالق وقادر ورازق وعالم، بمعنى أنه يخلق كما يخلق كما يخلق الله، ويرزق كما يرزق الله، ويقدر على كل شىء بلا علاج، كما قدر الله ويعلم كل شىء بلا تعلم وبلا بدء ولا انتهاء ولا مع عدم نسيان، ومثل الرحمن والرحيم، على معنى أنه يرحم فى الدنيا والآخرة، وتعم رحمته، كما أن الله يرحم، ومثل إله والله على أنه يعبد بحق، والم يجترىء المشركون مع عتوهم أن يسمعوا أحداً الله، ومثل أن يسمى أحد رب السماوات والأرض، وذلك كله منفى بأبلغ وجه، حيث نفى المعلوم بالاستفهام الإنكارى فى عبارة نفى العلم.
إذ الحاصل أنه لو كان لعلمته فإذا لم يكن له سمى تعين أن لا يعبد إلا هو، وكان صلى الله عليه وسلم إذا قرأ: { هل تعلم له سمياً } قال: لا، وروى أبو داود، عن أبى هريرة،
"عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ منكم { والتين والزيتون } فانتهى الى آخرها { أليس الله بأحكم الحاكمين } فليقل بلى وأنا على ذلك من الشاهدين ومن قرأ { لا أقسم بيوم القيامة } فانتهى الى: { أليس ذلك بقادر على أن يحيى الموتى } فليقل بلى، ومن قرأ { والمرسلات } فبلغ: { فبأى حديث بعده يؤمنون } فليقل: آمنا بالله وحده" .
وروى أبو داود عن موسى بن أبى عائشة: أنه كان رجل يصلى فوق بيته فكان إذا قرأ: { أليس ذلك بقادر على أن يحيى الموتى } [القيامة: 40] قال: سبحانك بلى، فسألوه عن ذلك، فقال سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ: { فمن يأتيكم بماء معين } [الملك: 30] "قال يأتى به رب العالمين" .
روى الترمذى عن جابر بن عبدالله: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن، من أولها الى آخرها، فسكتوا فقال: "لقد قرأتها على الجن ليلة فكانوا أحسن منكم مردوداً كانوا كلما أتيت على قوله تعالى: { فبأى آلاءِ ربكما تكذبان } قالوا لا بشىء من نعمك ربنا نكذب، ولك الحمد" وفى رواية لغيره: لا بشىء من آلائك ربنا نكذب وفيها: أحسن منكم رداً، ويجوز للقارىء أن يقوله إذا قرأ هؤلاء الآيات، كما يقوله السامع.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ:
{ "{ قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً } قال ولا يبالى إنه هو الغفور الرحيم، وكان إذا قرأ: { أصطفى البنات على البنين } قال: لا، أو قال: { لم يلد ولم يولد } وكان إذا قرأ: { أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون } أو قرأ: { أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون } قال أنت يا رب، وإذا قرأ: { والضحى } وختمها قال: الله أكبر، وكذا كل سورة بعدها الى آخر سورة الناس، كان الفضيل بن عياض إذا قرأ: { وإن عليكم لحافظين كراماً كاتبين } قال: ما أشهدها آية على الغافلين" .
وفى تفسير البغوى عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قرأ: { سبح اسم ربك الأعلى } [الأعلى: 1] فقال "سبحان ربى الأعلى الذى خلق فسوى الى آخر السورة" ، وكان على إذا قرأه فى الصلاة قال: سبحان ربى الأعلى، فقيل له: أتزيد فى الصلاة؟ قال أمرت بشىء ففعلته، وظاهر الإطلاق أن ذلك فى الفرض والنفل، وخص بعضهم ذلك بالنفل، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ آية عذاب سأل النجاة، وإذا قرأ آية رحمة سأل الرحمة، وزاد ما بعد ذلك من القراءة، وفى رواية كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمر فى صلاته بآية عذاب إلا استعاذ ولا بآية رحمة إلا سأل.
وروى أبو داود والحاكم، عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان إذا قرأ:
{ سبح اسم ربك الأعلى } [الأعلى: 1] قال: "سبحان ربى الأعلى" ، وفى الترمذى عن حذيفة، "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى ركوعه، سبحان ربى العظيم وفى سجوده سبحان ربى الأعلى وما أتى على آية رحمة إلا وقف وسأل وما أتى على آية عذاب إلا وقف وتعوذ،" فنقول: إذا قرأ الإنسان اسم محمد أو أحمد فى القرآن وقف وصلى عليه وسلم وعلى آله بصوت دون صوت القراءة، ثم يزيد قراءة ما بعد، وأما فى غير قراءة القرآن فينبغى رفع الصوت بالصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم.