التفاسير

< >
عرض

وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً
٧١
-مريم

تيسير التفسير

{ وإِنْ مِنْكُم } ما واحد منكم { إلا وَاردُها } التفات من الغيبة الى الخطاب للتأكيد، كما يدل له قراءة ابن عباس، وإن منهم إلا واردها، ويحتمل أن يكون استئنافاً خطاباً للناس كلهم، وهو واضح لا لمن ذكر قبل خاصة فلا التفات، وها فى واردها للقيامة عند ابن مسعود، والصحيح أنه لجهنم، والورود هنا المرور عليها بلا دخول، كما رواه عبد بن حميد وابن الأنبارى، والبيهقى عن الحسن البصرى، وكذا روى عن قتادة والحضور عام للكافر والمؤمن أو نقول الورود الدخول، أو نقول الخطاب للكفار كما يدل له قراءة ابن عباس رضى الله عنهما، وأن منهم وأخرج عبد بن حميد عن عبيد بن عمير أن الورود الحضور، والقرب كما فى قوله تعالى: " { ولما ورد ماء مدين } " [القصص: 23] وكما فسره إدريس لملك الموت فى قصته المذكورة آنفا، واختار بعضهم أن الورود حضورهم جاثين حولها.
وأخرج الترمذى والطبرانى، عن يعلى بن أمية، عن النبى صلى الله عليه وسلم:
"أنه تقول النار للمؤمن يوم القيامة جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهيبى" ، فنقول تقول ذلك عند مروره عليها، وأخرج ابن أبى شيبة، وعبد ابن حميد، والحكيم عن خالد بن معدان، إذا دخل أهل الجنة الجنة قالوا: ربنا ألم تعدنا أن نرد النار؟ قال: بلى ولكنكم مررتم عيها وهى خامدة، فهذا مرور حولها إذا لم يقل مررتم فيها، ولم تصح عندنا أحاديث دخول المسلمين فيها، وقولها جز يا مؤمن الخ وأنها برد عليه، وأن لها ضجة من برده، ولا ينافى حضورهم حولها قوله تعالى: " { أولئك عنها مبعدون } "[الأنبياء: 101] لأن المراد إبعادهم عن عذابها، أو إبعادهم عنها بعد أن يكونوا قريبا منها، وعن مجاهد، أن ورود المؤمن النار مس الحمى جسده فى الدنيا لقوله صلى الله عليه وسلم: "الحمى من فيح جهنم" ولا دليل فى الحديث هذا على أن مس الحمى هو المراد فى قوله عز وجل: { وإن منكم إلا واردها }. وأخرج ابن جرير عن أبى هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على رجل موعوك وأنا معه، صلى الله عليه وسلم، فقال: "إن الله تعالى يقول: هى نارى أسلطها على عبدى المؤمن لتكون حظه من النار فى الآخرة" ، ولا دلالة فيه على عدم ورود المؤمن المحموم فى الدنيا النار فى الآخرة، وغايته أن المؤمن يحفظ من نار الآخرة، وكان عبدالله ابن رواحة يبكى، ويقول: أخبرنى ربى أنى وارد ولم يخبرنى أنى صادر. ويقول بعض الصحابة لبعض: هل أخبرك ربك أنك وارد؟ فيقول: نعم، فيقول هل أخبرك أنك صادر، فيقول لا فيقول ففيم الضحك.
{ كان } ورودهم إياها { عَلى ربِّك } متعلق بمحذوف خبر كان، والمنصوبان بعد خبران آخران، أو متعلق بكان أو بقوله { حَتْماً } واجباً فيكون الخبر حتما { مَقْضياً } قضى بوقوعه قطعاً خبر آخر، أو نعت لحتماً أو متعلق بمقضياً، ولو كان مقضياً نعتاً للفاصلة، بأن قدم متعلقة على منعوته، أو يعلق بمقضيا إذا لم يكن نعتا ولا واجبا على الله، والمعنى أن ذلك كأنه واجب بأن أوجبه الله على نفسه أو كأنه أوجبه أحد على الله سبحانه، عن كل نقص لكن الكلام مجاز، لا حقيق، والجملة فى معنى القسم أو قوله: { وإن منكم } إلى { مقضياً } ومعنى القسم، واليس قسما نحوياً، ويدل على أنه قسم فى المعنى قوله صلى الله عليه وسلم:
"لا يموت لمسلم ثلاث من الولد فيلج النار إلا تحلة القسم" رواه البخارى ومسلم، والترمذى والنسائى وابن ماجه، عن أبى هريرة، يعنى: وإن منكم إلا واردها، كان على ربك حتما مقضياً".
وقوله صلى الله عليه وسلم:
"من حرس من وراء المسلمين فى سبيل الله متطوعاً لا يأخذه سلطان لم ير النار بعينه إلا تحلة القسم" فإن الله تعالى يقول: { وإنْ منكم إلا واردها } رواه أحمد والبخارى والطبرانى، عن معاذ بن أنس، وهذا الحديث يدل على أن المراد بورودها رؤيتها، وفيه بيان أن القسم هو قوله: { وإن منكم إلا واردها } فقط وهو قسم معنوى لا اصطلاحى كما مرَّ إلا أن عطف على جواب القسم الاصطلاحى، وهو قوله: { ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صلياً } [مريم: 70] فإنه معطوف على الجواب، والمعطوف على الجواب جواب.