التفاسير

< >
عرض

يَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ وَفْداً
٨٥
وَنَسُوقُ ٱلْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْداً
٨٦
-مريم

تيسير التفسير

{ يوم } اذكر لهم بطريق الترغيب والترهيب. يوم أم متعلق بنعد باعتبار معنى المجازاة، أو بسيكفرون أو بيكونون أو بيملكُون بعداً، أو يقدر يوم الخ نفعل بالفريقين ما لا يحيط ببيانه كلام.
{ نحشر المتقينَ إلى الرَّحمن وفداً } نجمعهم الى كرامة الرحمن، أو الى ثواب الرحمن، أو الى جنة الرحمن، أو نحو ذلك، فذلك بتقدير مضاف أو كناية عن ذلك بلا تقدير، ومقتضى الظاهر إلينا، وكلن ذكر الى الرحمن إشارة الى أنه يجمعهم من حيث كانوا الى من شأنه الرحمة قبل وبعد، ليرحمهم، وكثر الرحمن فى هذه السورة تعديداً للنعم الجسام، ودعاء للشكر عليها، وزجراً عن الكفر بها، وتبشيراً بها.
والوفد جمع وافد كصاحب وصحب، بفتح الصاد، وراكب، وفى ذكره تبشير لأن الوافد من يأتى الملك لجلب نفع، أو دفع ضر، أو لهما، ومن شأنه أن يكون راكباً لا لزوماً فتفسر الآية بالركب لأنها فى مقام الإكرام، وعن على سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الآية فقلت: هل الوفد إلا المركب؟ فقال صلى الله عليه وسلم:
"والذى نفسى بيده إنهم إذا خرجوا من قبورهم استقبلوا بنوق بيض لها أجنحة، وعليها حال الذهب، شراك نعالهم نور يتلألأ كل خطوة منها مد البصر، ينهون الى باب الجنة" رواه ابن أبى حاتم، وابن دويه، وابن أبى الدنيا.
وعن على: على نوق رحالها من الذهب، ونجائب سروحها يواقيت، إن هموا بها سارت، وإن هموا بها طارت، أى إن هموا بسيرها سارت، من هموا بطيرانها طارت، وكذلك فسر ابن عباس الوفد بالركبان، والنوق من الجنة، كما رواه عبد الله بن أحمد بن حنبل فى ذلك الحدث، لكن رواه موقوفاً عن على وعن عمرو بن قيس، يركبون على تماثيل تصور من أعمالهم الصالحات، فى غاية الحسن، ويرون: يركبون على ما أحبوا من إبل أو خيل أو سفن.
والحديث والآية فى طائفة من المؤمنين، لا يحاسبون وإلا فمن يكون من المؤمنين فى المحشر والحساب، من هذه الأمة، فهم السبعون ألفاً، ومع كل واحد سبعون ألفاً لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون، يدخلون الجنة بغير حساب، وثلاث حثيات من حثيات الرب، ولعل هؤلاء الحثيات ما ورد من أنه زاده هكذا فبسط باعه، فحثا.
والحامدون الله فى السراء والضراء، والذين تتجافى جنوبهم الخ، والذين لا تلهيهم تجارة الخ، ومن مات فى طريق مكة ذاهباً أو راجعاً، والمتعلم، والمطيعة لزوجها، والبار بوالديه، والرحيم الصبور، أو المراد ينتهون الى الجنة بعد الموقف، وفى البخارى ومسلم، عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يحشر الناس يوم القيامة على ثلاث طوابق راغبين وراهبين، واثنان على بعير وثلاثة على بعير، وعشرة على بعير، وتحشر معهم النار تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسى معهم حيث أمسوا" .
فى الترمذى عن أبى هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف: صنف مشاة، وصنف ركبان، وصنف على وجوههم قيل: يا رسول الله كيف يمشون على وجوههم. قال: الذى أمشاهم على أقدامهم، قادر أن يمشيهم على وجوههم أما أنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك" ويحتمل أن الآية فى غير هؤلاء من المؤمنين، يحشرون على الدواب الى الموقف والوفادة، تمثيل للإكرام، لا تحقيق من كل وجه، لأن المتقين يذهبون الى الرحمن يحزم أن لهم الخير، وأنهم لا يفارقون المحل، بخلاف وفد الدنيا فإنه يفارق المحل، وعكس ذلك فى المجرمين فقال:
{ ونسُوقُ المجْرمين إلى جَهنَّم وِرْداً } عطاشاً، وأصله مصدر، وذلك مجاز لعلاقة اللزوم، لأنه من يرد الماء يرده لعطش فى الجملة، أو لا يطلق الورود فى الماء إلا للعطش، ويجوز أن يكون معنى وارداً دواب ترد الماء على التشبيه البليغ، وقوى التشبيه بحذف أداته، وبذكر ما يناسبها إذ قال: ونسوق وذلك تحقير لهم، ولا سيما أن المورود النار لا الماء، فانظركم بين الآيتين، جعلنا الله من أهل الأولى، وكل من الحشر والسوق بعد الحساب ووقوف المحشر.