التفاسير

< >
عرض

بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
١١٢
وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ ٱلنَّصَارَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ ٱلْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
١١٣
-البقرة

تيسير التفسير

{ بَلَى } إثبات لما نفوه من دخول غيرهم الجنة، ولو كانوا أيضاً لا يدخلونها، فالمعنى، لا يدخلونها، وغيرهم يدخلها، وقد تقع فى غير النفى والاستفهام { مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ } أخضعه { لِلهِ } وخص الوجه لأنه أعظم، إذ فيه أكثر الحواس بل كأنها، وشاركه غيره فى الحس، ولأنه موضع السجود الذى العبد فيه أقرب ما يكون من ربه، فغيره أولى بأن يكون قد أسلم لله، أو الوجه بمعنى الذات كلها إذ هو جزؤها الأعظم، أو بمعنى قصده { وَهُوَ مُحْسِنٌ } موحد عامل متق، ولو لم يبلغ إلى قوله صلى الله عليه وسلم، الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه { فَلَهُ أَجْرُهُ } ثوابه على عمله وتقواه، وتوحيده، وهو الجنة { عِنْدَ رَبِّهِ } عندية علم وعهد وتشريف { وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } فى الآخرة إلا خوفا يحدث لعظم الهول، ويزول ويعقبه الأمن الدائم { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } فيها على فوت التوحيد، والعمل والتقوى، لأن ذلك لم يفتهم، وإنما يحزن من فاته أو بعضه، وأما فى الدنيا فالمؤمن من أشد حزنا فى أمر دينه، وفصل قوله: وقالوا لن يدخل الجنة... إلخ بقوله: { وَقَالَتِ الْيَهُودُ } أحبارهم فى المدينة، أو نافع بن حرملة، ونسب للجميع لأنه منهم، وراضون بقوله، أو مطلقا، ذكر الله اعتقاد من اعتقد ذلك، ولفظ من لفظ، وهم القليل { لَيْسَتِ النَّصَٰرَى عَلَى شَيْءٍ } . معتد به من الدين، كفروا بالإنجيل وعيسى وأثبتوا الحق لأنفسهم.
{ وَقَالَتِ النَّصَٰرَى } كلهم إلا قليلا منهم أو واحد منهم كما مر، أو من وفد من نصارى نجران على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكر الله اعتقاد من اعتقد، ولفظ من لفظ، وهو القليل { لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيءٍ } معتد به من الدين، كفروا بموسى والتوراة، وأثبتوا الحق لأنفسهم، ونفى الشىء فى الموضعين كناية عن عدم الاعتناء، وهى أبلغ من التصريح { وَهُمْ } أى الفريقان { يَتْلُون الْكِتَٰبَ } جنس الكتاب، تتلو اليهود التوراة، وتجد فيها تصديق عيسى والإنجيل، وتتلو النصارى الإنجيل وتجد فيه تصديق موسى والتوراة، أو تتلو اليهود التوراة والإنجيل ويجدون فيهما تصديق الكل، وكذا النصارى، وقيل المراد التوراة { كَذَلِكَ } كقول اليهود للنصارى، والنصارى لليهود، { قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } وهم مشركو العرب وغيرهم، كأمم قبل اليهود والنصارى { مِثْلَ قَوْلِهِمْ } قالوا لكل ذى دين، ليسوا على شىء يعتد به، وفى ذلك تشبيهان، تشبيه المقول بالمقول فى المؤدى، وتشبيه القول بالقول فى الصدور عن مجرد الهوى، ولو زاد اليهود بالتعصب فليس فى الآية تكرير، بل فيها مزيد التوبيخ، بل شبه جمع في نفى الحق من فى يده علم التوراة والإنجيل بمن لا علم له من عبدة الأصنام كقريش، ومن ينكر الله، والمراد بالتشبيه التنظير، أو هو من التشبيه المقلوب، إذ شبهوا بالجاهلين، وكذلك مفعول لقال، أى مثل قول اليهود والنصارى، قال الذين لا يعلمون، ومثل مفعول به ليعلمون، بمعنى يعتقدون، أو مفعول به لقال، أو مفعول مطلق له، وكذلك مفعول به له، أو مثل توكيد لكذلك لا بدل، لا تحاد مفهومهما، بخلاف، جاء زيد أخوك، فإن الأخوة ليست مفهومة لزيد { فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ } بين الفريقين، وبينهما وبين الذين لا يعلمون، والمراد الفريقان بالذات؛ لأن الكلام فيهما، والذى لا يعلمون بالتبع { يَوْمَ الْقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } من أمر الدين، فيدخل الجنة من عمل بالناسخ وترك ما نسخ. وذلك إشراك، ومن أشرك بعبادة الصنم، أو بإنكار الله، وأيضاً المشركون أسف الناس، واليهود فى لظى، والنصارى فى الحطمة، وذلك من الحكم المذكور، فالحكم بينهم أن يقسم لكل فريق يوماً يليق به من العذاب.