التفاسير

< >
عرض

وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ
١٧١
-البقرة

تيسير التفسير

{ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ } من اليهود والنصارى وغيرهم ومشركي العرب والذين يدعونهم إلى الإيمان النبى والمؤمنين، أى مثل الكافرين مع المؤمنين كمثل الغنم مع راعيها، كما قال { كَمَثَل الَّذِي يَنْعِقُ } يصوت من رعاة الغنم عليها { بِمَا لاَ يَسْمَعُ } أى على ما لا يسمع، وهو الغنم { إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَاءً } صوتا بلا فهم لمعناه، لما صاح بها لتمشى أو تقف، ولو فهمت منه على الاعتياد أنها تقف أو تمشى، وأيضاً هذا الفهم ليس فهما لوضع الصوت لمعناه، بل فهما لتوسط ضربها أولا بالحجر لتقف أو تمشى، وإنما قدرت مع الذين يدعونهم إلى الإيمان بلفظ مع لا بالواو ليناسب قوله كمثل الذى الخ، من المتقدم فيه الراعى، كذلك فإن مع أصلها أن تدخل على الراجح المصحوب، فالراجح المصحوب هو النبى والمؤمنون، أو يقدر، ومثل داعى الذين كفروا للإيمان كمثل الذى ينعق، أو يقدر مثل الذين كفروا كمثل بهائم الذى ينعق. وعلى كل حال فالنبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنون يدعون الكفار إلى الإيمان ولا يعرفون المقصود، لانهما كهم فى التقليد وكونهم أميين، وإعراضهم تجاهلا، كما يصيح الراعى على غنمه، ولا تفهم حكمة موضوع الصوت، ولو وقفت به أو مشت فهم أضل منهما إذ تمتثل ولا يمتثلون، أو المعنى مثل الذين كفروا فى دعاء الأصنام كمثل الناعق فى غنمه، بل الناعق فوقهم، لأن الغنم تسمع وتحس بحلاف الأصنام، والدعاء والنداء مترادفان فيما قيل، فلعله كرر تأكيداً كأنه قيل أصواتاً كثيرة، أو الدعاء ما يدل على معنى امشى، أو قفى، أو اشربى أو كلى، أو نحو ذلك، من فعل، أو اسم فعل أو اسم، صوت، والنداء ما يزاد على ذلك، كها، وياء مما يتلفظ به فى البهائم، ويبعد ما قيل إن الدعاء للقريب والنداء للبعيد، كقول الأعرابى: أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه، لأن النداء يكون أيضاً للقريب، كما ينادى بالهمزة وأى للقريب، وقيل الدعاء ما يسمع، والنداء قد يسمع وقد لا يسمع، { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ } هم صم، بكم، عمى، أى لا يسمعون الحق ولا ينطقون به ولا يرونه { فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } الموعظة والأحكام الشرعية، أى لا يدركونها، وليس المراد نفى عقل التكليف على سبيل تنزيل وجوده منزلة العدم، ولفقد ثمرته، لأنه لا يصح ترتبه بالفاء، كذا قيل، وفيه أنه لا مانع من أن يقال هم صم بكم عمي لا يدركون، فهم لذلك كمن لا عقل له كالمجنون.