التفاسير

< >
عرض

يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجِّ وَلَيْسَ ٱلْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰ وَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
١٨٩
-البقرة

تيسير التفسير

{ يَسْئَلُونَكَ } يا محمد { عَنِ الأَهِلَّةِ } السائل معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم، فالجمع لأن أقل الجمع اثنان، أو لأنهما فى قوم رضوا هذا السؤال، أو حكم على المجموع، قالا يا رسول الله يطلع دقيقا، ثم ينمو حق يكمل، ثم ينقص حتى يكون على حال طلوعه أولا، ويذهب لِمَ لم يكن كالشمس بحال واحدة، وسمى هلالا، لأنه يرفع الصوت عند طلوعه أولا، ورفع الصوت إهلال، وهو هلال فى الأولى، أو فى الثانية أيضاً، أو فى الثالثة معهما أو هو هلال حتى يحجر بخط دقيق كما قال الأصمعى، أو حتى يبهر ضوؤه سواد الليل وعنى بعضهم ذلك بسبع ليال، قيل وكذا فى آخره هو هلال، ولا يصح، وبين ذلك قمر، والمراد هنا مطلق هذا الكوكب كما رأيت فى السؤال يسمى قمراً مطلقاً مجازاً، أو اشتراكاً، وأما جمع الهلال مع أنه واحد فباعتبار ليالى طلوعه، والسؤال لم يختص بهلال دون آخر، والمضارع لإمكان تكرير السؤال أو لتنزيل الماضى منزلة الحاضر، أو الماضى منزلة المستقبل، أو تنزيل حالة النزول منزلة ما قبل السؤال، وقيل إن السؤال من اليهود للصحابة يعتبر أن سؤال الصحابة سؤال للنبى صلى الله عليه وسلم لأنهم مستفيدون منه وسائلون له فى كل ما أرادوا { قُلْ } لهم { هِىَ مَوَٰقِيتُ لِلنَّاسِ } لأمورهم الدنيوية والدينية كأجل الدين والإجارة والعدة والحيض والصوم والحج وقد ذكره الله، وليس من ذلك المزارع لأنها يسير الشمس وشهورها، وهذا جواب على مقتضى الظاهر، سألوا عن الحكمة فى اختلاف تشكل القمر، فقال حكمته أنه مواقيت للناس، إذ لو بقى على شكل واحد لم تتعدد الأشهر، وإن كان سؤالهم عن السبب فى ذاته كان الجواب على خلاف مقتضى الظاهر، إرشاداً لهم بأن الأليق أن يسألوا عن الحكمة، والنبى صلى الله عليه وسلم لم يبعثه الله لدقائق علم الهيئة بل للشرعيات، ولو أجابهم بالسبب لقال ذلك لقربه من الشمس وبعده، ولا بأس به لظهوره ولا تأباه الشريعة إلا أن تقول الشريعة: لا تجزوا بذلك بل قولوه على الظن، بأن الله جعله سبباً لتولد ما يتولد، والله هو الخالق كما يخلق النبات بالماء، لكن لا دليل على هذا وإنما ظهر بعضه فى الشمس، والميقات آلة الحد قياساً، وذلك آلة ما يعرف به الوقت أو مكانه شذوذاً { وَالْحَجِّ } عطف على الناس باعتبار مضاف، أى لأغراض الناس وللحد، فذكر الحج بعد تعميم لمزيته فى التوقيت إذ الوقت أشد لزوما له، إذ لا يقضى إلا فى وقت أدائه من قابل أو بعده، وسائر العبادات تقضى فى كل وقت حتى سائر الأوقات تقضى إذا فات وقتها بحسب الإمكان واللياقة ولا يلزم إبقاؤها إلى وقتها من قابل، واستدل بعض بالآية على جواز الإحرام بالحج فى كل السنة، وفيه بعد، ومخالفة للسنة، بل هى دليل على أنه مخصوص بأشهر يحتاج إلى تمييزها وإلا لم يتحتج الكلام إلى ذكر الهلال مع الحج، ولما ذكر علمنا أنه احتاج إلى جنس الشهر فبينته السنة. { وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تُأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا } بعد إحرامكم بحج أو عمرة بأن تنقبوا البناء ونحوه أو ترفعوا خلفا مخالفة لحالكم قبل، أو تدخلوا بسلم لئلا يستركم شىء عن السماء وإذا دخلتم بذلك لحاجة وقفتم لا يظلمكم شىء عن السماء وترجعوا من ذلك، ذكلم بدعة مخالفة للشرع، والنقب إسراف { وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى } مر مثله، وهو قوله ولكن البر من آمن، أى من اتقى عقاب الله بترك مخالفته وبترك هذه البدعة لما بعد، وسائر المعاصى، وذكر ذلك لأنهم سألوه أيضا عن إتيان البيوت ولم يذكره فى السؤال استغناء بالجواب، مع أنه مما لا ينبغى السؤال عنه لظهور بطلانه، وإن لم يسألوا عنه فإنه ذكر لذكر الحج، أو شبه سؤالهم عما لا يهم وهو الأهلة وترك السؤال عما يهم من الأحكام بحال من ترك الدخول من الباب وعالجه من غيره { وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَاْ } بعد الإحرام كما قبله أو باشروا الأمور بوجوهها { وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } تفوزون بالهداية إلى كل بر وبغية، وإلى علم أن فى كل أفعاله حكمة بالغة، وعن جابر بن عبدالله: "كانت قريش تدعى الحمس، وكانوا يدخلون من الأبواب فى الإحرام، وكانت العرب والأنصار لا يدخلون من باب فى الإحرام، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بستان إذ خرج من بابه وخرج معه قطبة بن عامر الأنصارى وفى رواية رفاعة بن تالوت، فقالوا يا رسول الله إن قطبة بن عامر وَرفاعة بن تالوت رجل فاجر وأنه خرج معك من الباب، فقال له: ما حملك على ما فعلت؟ قال رأيتك فعلته ففعلت كما فعلت، قال إنى رجل أحمس أى متصلب فى الدين، قال فإن دينى دينك فنزلت، وليس البر بأن تأتوا الآية" ، وعن البراء كانت الأنصار إذا قدموا من سفر لم يدخل الرجل من الباب فنزلت الآية، والمراد اتقوا الله فى شرع ما لم يشرعه وَفى تغيير أحكامه.