التفاسير

< >
عرض

فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ
٢٠٠
-البقرة

تيسير التفسير

{ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَٰسِكَكُمْ } عباداتكم الحجية، من وقوف بعرفات، والمزدلفة، والذكر فيهما، ورمى العتبة، والحلق، وطواف الزيارة، والسعى، وإستقررتم بمنى، ويجوز تأخير الطواف والسعى عن أيام منى { فَاذْكُرُوا اللهَ } بالتكبير والثناء، وبالغوا فى الذكر بالكيفية ولو أمروا بالإكثار أيضاً، { كَذِكْرِكُمْ ءَابَاءَكُمْ } كما تبالغون فى كيفية ذكر آبائكم عند المفاخرة فى منى، بين الجبل والمسجد، كانوا يعتادون ذلك فى جميع يومهم، ويذكرون محاسن حروبهم، رواه ابن جرير وغيره، والآية تلويح إلى جعل ذكر الله مكان ذكر الآباء والحروب وإلى ترك ذكرها { أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً } أو كونوا أشد ذكراً لله منكم لآبائكم، أو عطف على الكاف، أو على ثابتاً، أى فاذكروا الله ذكراً مثل ذكر آبائكم، أو ذكراً كذكر آبائكم، فيكون ذكرهم ذاكراً، كقولهم شعر شاعر بتنوين شعر، وصومه صائم من المجاز العقلى، والفتح نصب، ويجوز عطفه على ذكر، فالفتح جر، وإذا جعلنا ذكراً مصدراً من المبنى للمفعول لم يكن من المجاز العقلى، أو معطوف، وأشد حال منه بخلاف أشد، فإنه على كل حال من فعل مبنى للفاعل ولا تهم، ويجوز تقدير أو كذكر قوم أشد ذكراً منكم، واختار أبو حيان، أن أشد حال من ذكرا بعده، ووجهه أن قوله اذكروا الله كذكركم آباءكم، أو ذكرا أشد منه أبلغ من قوله اذكروا الله ذكرا كذكركم آباءكم أو أشد وليس فى إعراب أبى حيان طلب حالية الذكر، بل فيه طلب الذكر بقيد أن يكون أشد { فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ } تفريع على قوله، فاذكروا الله، وهذا تفصيل بالجملة بعد الفاء لا بالفاء، فقد تكون الفاء تعليلا، لقوله، فاذكرو الله، أى لأن الناس بين مقل ومكثير، ومصيب فى ذكره ومخطىء فى منى، فكونوا من المكثرين المصيبين فيها، لأن من الذاكرين من يقلل ويخطىء، وهو من يقتصر على الدنيا فى دعائه { رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِى الدُّنْيَا } مالا وولداً وجاها ونحو ذلك أو بعض ذلك، ومتاع الدنيا كله قليل ولا يدعو لآخرته فقد يؤتى ما يدعو به وقد لا يؤتاه { وَمَا لَهُ فِى الآخِرَةِ } بعد الموت من الجنة { مِنْ خَلَقٍ } نصيب لأنه لم يتعرض له فى الدنيا، ولا يطلق خلاق إلا على نصيب الخير، وسمى خلاقا لأنه خلق له، كما سمى نصيبا لأنه نصب له، أو ما له فى ذكره ودعائه نصيب يدعو به لآخرته، أى وما له فى شأن آخرته نصيب من دعائه.