التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
٢٣٤
-البقرة

تيسير التفسير

{ وَالَّذِينَ يُتَوَفوْنَ } تقبض أرواحهم، بلَّغاً أو أطفالاً، أحراراً أو عبيداً، عقلاء أو مجانين، والذى يتوفاهم هو الله. قال رجل لأبى الأسود خلف جنازة: من المتوفى، بكسر الفاء، فقال: الله. والصواب أن يقول: من المتوفى، بفتح الفاء، وفيه وجه آخر، وهو أن يقال للميت متوف بكسر الفاء، بمعنى مستوف لأجله، كما قرأ يتوفون، بفتح الياء، ولم يخبر أبو الأسود على ذلك سائله، لأن سائله لا معرفة له بذلك { مِنْكُمْ } أيها المسلمون، وأما المشركون فكذلك، إلا ان المنتفع بالخطاب المسلمون، فيفسربهم، ولا مانع من أن المخاطبين المسلمون والمشركون { وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً } مسلمات وكتابيات، ذوات أقراء، أو غيرهن، صغارا أو كبارا، مدخولا بهن أو غير مدخول بهن إلا الحامل، فأقصى الأجلين، أجل الوضع وأجل الوفاة، وهو الأصح، وهو قول على وابن عباس، وإلا الأمة فنصف الحرة، وقيل كالحر، وقالت الحنفية، الكتابية كالمسلمة بشرط أن تكون تحت مسلم بناء على أن المشرك غير مخاطب بالفروع، والمفرد الزوج، الأنثى بلا تاء، وهو اللغة الفصحى، لا الزوجة بالتاء، لأن فعلة لا يجمع على أفعال، والزوجة بالتاء للمؤنث لغة تميم وبعض قيس { يَتَرَبَّصْنَ } أى وأزواج الذين يتوفون يتربصن، والذين يتوفون ويذرون أزواجا يتربصن بعدهم، أو بهم، أو تتربص أزواجهم، فأصمر لهن، والضمير لا يضاف، فحذف المضاف إليه، فالنون عائد إلى قولك أزواجهم، وقولك أزواجهم مشتمل على ضمير الذين، فنهى عائدة إلى ما أضيف إلى الضمير، فربط بذلك الضمير، وقيل، يقدر مبتدأ، أى أزواجهم يتربصن، وفيه أن تقدير المضاف قبل الذين أخف من هذا { بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً } أى عشر ليال مع أيامهن، وذكر الليالى لأنهن أوائل الأيام والشهور، وأراد عشرة أيام، فحذف التاء، كقوله تعالى: " { إن لبثتم إلا عشراً } [طه: 103] أى، إلا عشرة أيام، لقوله، { { إن لبثتم إلا يوما } [طه: 104] ولكن لا مانع من أن يراد إلا عشر ليال مع قوله إلا يوما، وذكر بعض أن قاعدة تذكير المعدود وتأنيثه إنما هو إذا ذكر المعدود، وأما عند حذفه فيجوز الأمران مطلقا. والجنين يتحرك مطلقا لأربعة أشهر وزيد عشرة، إذ قد تخفى حركته فى المبدأ، ولا يتحقق ما قيل، إن الذى يتحرك لثلاثة والأنثى لأربعة، فاعتبر الأكثر، واستتم بعشرة لخفاء الحركة فى المبدأ، والآية لعمومها شاملة لغير المدخول بها، وقال ابن عباس، لا عدة لغير المدخول بها، والحامل المتوفى عنها تعتد عند على بأقصى الأجلين، وقال غيره، بأربعة أشهر وعشر، والجمهور على أَن العدة من حين علمت بالموت ولو بعد امام الأربعة والعشر، وقيل من حين الموت { فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ } تمام أربعة أَشهر وعشر { فَلا جُنَاحَ } لا إثم { عَلَيْكُمْ } أَيها المتولون لأَمور الإسلام، كالأَمر بالمعروف، والنهى عن المنكر، وقيل الخطاب للأولياء { فِيمَا فَعَلْنَ فِى أَنْفُسِهِنَّ } من التزيين للخطاب بالثياب، واللباس الحسن والكلام الحسن، وإظهار زينة الوجه واليد لهم، وإظهار الساق والشعر والصدر للنساء، ونحو ذلك مما يحل إظهاره لهن ليصفنه لمن يريد الزواج { بِالْمَعْرُوفِ } شرعا، لا بكشف ما لا يحل من بدن، ولا عند من لا يتقى الله ولا بخلوة به، وأما قبل بلوغ الأجل فى المطلقة فإنما تحبب لزوجها بأكثر من ذلك كله غير كشف العورة الكبرى، فإن رآها متولو الأمر تتعرض قبل بلوغ الأجل لغيره بكلام أو زينة أو تبرج، أو تتعرض له أو لغيره بعد بلوغ الأجل بغير المعروف فعليهم الإثم إن لم يمنعوها { وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ } والخطاب لمن خوطب قبل، وقيل للأزواج { خَبِيرٌ } فيجازيكم.