التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَٰواْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَٰواْ وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَٰواْ فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَٱنْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى ٱللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
٢٧٥
-البقرة

تيسير التفسير

{ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَٰواْ } يتصرفون بمعاملة الربا ولو لم يأكلوه فى بطونهم ولو بمجرد قبضه، أو الإعطاء منه أو لبسه، أو ذكر الأكل لأنه الغالب، والصحيح الكفر بمجرد عقده، ولم لم يقبض، وإن كانت الآية فى متسحله كما قالوا، إنما البيعُ مثل الربا... الخ، والكافر مخاطب بالفروع ولو كانت أيضاً فى التصرف فيه، أو يأكله فى البطن كما يناسبه قوله { لاَ يَقُومُونَ } من قبورهم { إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِى يَتَخَبَّطُهُ } يصرعه { الشَّيْطَٰنُ مِنَ الْمَسِّ } أى الجنون، ويقال، مس أى جن، وأصله المس باليد، وقد يمس الشيطان الإنسان وأعضاؤه مستعدة للفساد فتفسد ويحدث الجنون، وقد يحصل جنون بلا مس كما إذا فسد الجسد بلا عروض أجنبى، ومس بلا جنون كما إذا قوى المزاج، وذلك لأن بطنه كالبيت لما فيه من الربا فى الدنيا، أو يحضره الله فى بطنه يوم القيامة، فكلما قام صرع يميل به بطنه كالذى يصرعه الشيطان من المس، أى من الجنون، متعلق بيتخبط ولا حاجة إلى تعليقه بلا بيقوم أو بيقوم، ودعوى أن المعنى، لا يقومون من أجل الجنون، ويحمل غير المستحل للربا الفاعل له على المستحل، ولا مانع من أن المراد بالأكل مطلق التصرف فيه بعقد أو بقبض، أو إعطاء بلا منافاة لصرعه به، لأن بطنه سبب فى الجملة لعقده، وما بعده ولو لم يأكله، والربا بيع شىء من الجنس بشىء منه أكثر، وهو الغالب، وبه سمى، لأن الربا الزيادة، أو بأنقص مثل أن تعطى دينارا على أن تأخذ نصف دينار، أو بمساو، ما لم يكن فرضا، كان آجلا، أو عاجلا، وشهر أحاديث المنع بالزيادة ولو نقدا، والحق أن الشيطان يدخل فى بدن الإنسان أو يمسه ويتخيل له فيذهب عليه أو ينقص، ففى الحديث، "ما من مولود إلا يمسه الشيطان فيصرخ إلا ابن مريم عليه السلام، فطعن الشيطان فى الحجاب" ، وفى رواية، إلا طعن الشيطان فى خاصرته، ومن ذلك يستهل صارخا إلا مريم وابنها، لقول أمها: إنى أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم، وقال صلى الله عليه وسلم: "كفوا صبيانكم أول العشاء فإنه وقت انتشار الشياطين" ، ومن أنكر الجنون فقد جن، وأما قوله: { ما كان لى عليكم من سلطان }، فإنما هو فى القهر إلى متابعته لا فى الإيذاء والتخييل، فقد يدخل فى الإنسان فيعمل بجوارح الإنسان ما يعمل الإنسان بها، وقد يفسد المزاج فيفسد العقل بلا جنون { ذَٰلِكَ } أى قياسهم كالمتخبط، وهو عقاب { بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَٰواْ } كما تبيع بدرهمين ما يساوى درهما، وتبيع بالربا درهما بدرهمين، فهما سواء فى الجواز، والأصل المشبه به الربا، والفرع المشبه البيع، لأن المراد التجر بالريح، وهو فى الربا أوضح ولازم، بخلاف البيع فالربح فيه غير متحقق، بل ربما أدى إلى خسران، وذلك تشبيه، صحيح على ظاهره، ويحتمل أن يريدوا تشبيه الربا بالبيع فعكسوا مبالغة { وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرَِّبَٰواْ } هذا من كلام الله تعالى، قالوا: إنما البيع مثل الربا، والحال أن الله أحل البيع وحرم الربا، وأخطأوا فى إباحته، قيل لأن أخذ الدرهم بدرهمين ضائع، وأخذ السلعة بدرهمين مع أنها تساوى درهما مجبور بمسيس الحاجة إلى السلعة، أو بتوقع رواجها، وليست هذه العلة صحيحة لأن أخذ درهم بدرهمين مجبور باستحقاقه الدرهم فى الحين وإمهاله إلى أن يجد الدرهمين، ولا يكفى ما يقال فى الجواب عن هذا من أن الإهمال أو الاستحقاق ليس مالا، أو شيئا يشار إليه حتى يجعل عوضاً عن الزيادة ومن أنه أخذ الزيادة فى الربا بلا عوض، وعندى أنه لا تدرك علة تحريم الربا، بل نؤمن بتحريمه فقط، سواء كان الربا من أول أو كان من آخر، بأن يبيع له شيئاً فيعجز عن الأداء فى الأجل، فيقول: أنظرنى وأزيدك، وقيل: قد نزلت الآية فى أنظرنى وأزيدك، وقولهم كلما جاءت الزيادة من أول جازت آخرا، وقيل هذا من كلامهم قد حافى تحريم الربا، قالوا للمسليمن، إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فى زعمكم، لا يقول الله بهذا مع أنهما سواء متماثلان { فَمَن جَآءَهُ } الأصل فى فعل المؤنث المجازى التأنيث الظاهر أن يؤنث، وجاز ألا يؤنث مطلقا، وترجح هنا عدم التأنيث للفصل، وكون الموعظة بمعنى الوعظ { مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ } زجر وتخويف وتذكير العواقب عن الربا لا حث وترغيب بدليل قوله { فَانْتَهَى } عن الربا والتصرف فيه وعقده { فَلَهُ مَا سَلَفَ } من الربا قبل النهى، لا يعاقب ولا يرده، ولا يؤخذ به فى الآخرة { وَأَمْرُهُ } أى أمر من جاءته الموعظة، فانتهى { إِلَى اللهِ } يثيبه على انتهائه قبولا للموعظة، وهذا أولى من أن يقال، أمر ما سلف، أو أمر هذا المنتهى إلى الله فى العفو، لأنه يغنى عنه قوله عز وجل: فله ما سلف، كذا قيل، وقيل: إن قائله يقول: العفو عن الرد لا العفو فى الآخرة ومن أن يقال: أمره إلى الله، أيعصمه بعد من فعل الربا أم لا، ومن أن يقال: أمر الربا فى التحريم إلى الله لا إلى القياس، لأن الأقرب أحق بالضمير إلا لداع بين، ولو كان أنسب بقوله { وَمَنْ عَادَ } إلى تحليل الربا تشبيهاً بالبيع، أو إلى فعله أو قبوله أو تصرف فيه { فَأُوْلَٰئِكَ أَصْحَٰبُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ } ومن العجب مسارعتهم إلى جواز كون من موصولة هنا وفى الذى قبل ونحوه، وجعل الفاء زائدة فى الخبر، وإنما تجعل موصولة لو نزلت الآية فى معين، وكان المقام لمناسبة تعيينه، وأصحاب الكبائر من أهل التوحيد مخلدون لكن من دلائل أخرى، لا من هذه الآية، لأنها فى مستحل الربا، والمعاملة فيه، ولو احتمل أن قوله فمن جاءه... الخ على العموم، مثل أن يراد دخول بعض صحابة أرادوا تناوله بلا استحلال، كما روى أن عثمان والعباس لما طلبا الزيادة نزل، { يا أيها الذين آمنوا... } الخ، كما يأتى قريبا إن شاء الله تعالى، وكذا غيرهما.