التفاسير

< >
عرض

وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى ٱلْمَلَٰئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هَـٰؤُلاۤءِ إِن كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ
٣١
قَالُواْ سُبْحَٰنَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ
٣٢
-البقرة

تيسير التفسير

{ وَعَلَّمَ آَدَمَ الأَسْمَاءَ } ألقاها فى قلبه مرة،لا بتعليم ملك كما قيل { كُلَّهَا } من جميع اللغات، وهى الحروف، والأفعال، والأسماء، وواضع اللغة الله؛ فالمراد بالأسماء الألفاظ الدوال، على المعانى، فشملت الحرف والفعل إقراءً وتركيباً، حقيقة ومجازا، ودخلت أسماء الله كلها، بل قيل، أراد أيضاً ما يدل بلا لفظ كالنصب، والعقد، والإشارة بالجارحة، وحال الشىء، والمراد الأنواع كالإنسان، والفرس والجبل، والنخلة، لا الأفراد كزيد، وشذقم، وهيلة، وكل أهل لغة من أولاده وأولاد أولاده حفظ لغة، ونسى غيرها، وكلها موجودة فى أهل سفينة نوح، أو أوقد عليها فى ألواح، ودفنت وأخرجت بعد الطوفان، أو أوحتى ما اندرس منها إلى نوح أو هود، وآدم بوزن أحمر من الأدمة، بمعنى السمرة، ولا بأس بها فى الجنة، لأنه لم يدخلها جزاء، أو سمر بعد الخروج، وفسر بعضهم الأدمة بالبياض، ومن الأدمة بفتح الهمزة والذال، وهو الغدوة، أو من أديم الأرض، أى جلدها أى ظاهرها، أو من الأدم، أو الأدمة بمعنى الألفة، وألفه عن همزة، وقيل عجمى، بوزن شالح وآزر، فألفه أصل، وذلك فى الجنة، وخلق فى الدنيا، ورفعته الملائكة إلى الجنة، وعاش بعد خروجه منها ألف عام أو تسعمائة { ثُمَّ عَرَضَهُمْ } أى الأسماء بمعنى المسميات، وذكر الأسماء مرادا بها الدوال، ورد الضمير إليها مرادا به المدلول على الاستخدام، وضمير الذكور العقلاء تغليب على الإناث وغير العقلاء { عَلَى الْمَلَٰئِكَةِ } القائلين أتجعل فيها { فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ } بألفاظ { هَؤُلاَءِ } الأنواع المعروضة، أحضر كل نوع، فقال ما اسم هذا، جسما أو عرضا، مثل أن يلهمهم فى قلوبهم الفرح ما اسمه، والنفل ما اسمه، كما يقول لهم، ما اسم هذا مشيراً للحجر، وقد عرفوا بعض الأسماء والأفعال والحروف بلغة من اللغات، كما هو نص الآية، وإنما خص آدم بجمعه ما لم يعلموا إلى ما علموا، أو ذلك تعجيز لهم، لاتكليف بما لا يطاق { إِنْ كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } فى دعوى أنكم أحق بالخلافة، والاقتصار عليكم عما يفسد ويفسك، وأنكم أعلم، وقد قالوا لن يخلق الله تعالى خلقا أعلم منا ولا أكرم، وكأنه قيل، فما قالوا، فقال:
{ قَالُوا سُبْحَٰنَكَ } عن أن نكون فى قولنا أتجعل الآية معترضين { لاَ عِلْمَ لَنَا } بتلك المسميات وغيرها { إِلاَّ مَا } أى إلا علم ما { عَلَّمْتَنَا } إياه، أولا معلوم لنا إلا ما علمتناه، هذا اعتراف بالعجز، وشكر على إظهار الحكمة فى الخليفة لهم { إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ } بكل شىء { الْحَكِيمُ } فى جميع ما فعل وما قال، وما يقول، وما يفعل، لا يكون منه سفه، أو لا يخرج الأمر عما أراد، يقال أراد فلان إحكام شىء، أى إتقانه فأتقنه، أى لم يخرج عما أراد، وقدم العلم على الحكمة لأن المقام له ولقوله وعلم، وقوله لا علم، ولأن الحكمة تنشأ عن علم وأثر له، ولا حكمة بلا علم، لأن العلم لا يكون إلا صفة ذات، والحكمة تكون صفة ذات، بمعنى أنه أهل لأن لا يكون منه إلا الصواب وإلا الإتقان، وتكون فلا بمعنى إتقان الأمر والإتيان به صوابا.