التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ
٣٤
وَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ
٣٥
-البقرة

تيسير التفسير

{ وَإِذْ قُلْنَا } اذكر وقت قولنا، لنفس القول لا لنفس الوقت، وهكذا فى القرآن كله، اللفظ ذكر الوقت، والمراد ذكر ما فيه أو اذكر الحادث، إذ قلنا كذا، أو اذكر وقت قلنا، أو أطاعوا إذ قلنا { لِلْمَلَٰئِكَةِ } كلهم، كما قال فسجد الملائكة كلهم أجمعون، وتخصيص الآية بالمأمورين بالنزول إلى قتال الجن فى الأرض خروج عن الظاهر بلا دليل، وكذا فى لأعراف، والحجر، والإسراء والكهف، وطه، وص، وذلك سبع سور ذكر فيها، وإذ قلنا للملائكة، تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء عن إبذاء قومه له، كما أن أولهم آدم فى محنة عظيمة للخلق، أى لا نطمع يا محمد أن يتفق الناس على الإيمان بك، إذ لم يتفق من آمن وعبدالله آلاف السنين، وشاهد ما لم يشالهد الناس، إذ خرج عنهم إبليس وكفر فكيف قومك وسائر الناس { اسْجُدُوا } أى { لآِدَمَ } قبل رفعه من الأرض للسماء، أى إلى جهة آدم، إعظاماً له، كالكعبة، وسبباً لوجود السجود، وذلك سجود على السماء والأرض، وما شاء الله، كسجود الصلاة، وهو لله عز وجل، أو المراد بالسجود مطلق الخضوع، أو مع انحناء، دون سجود الصلاة، وهو لآدم ونسخ وإبليس يحسده على الانقياد له، وعلى جعله قبلة، وعلى كل خير حتى الجعل له سببا، ونافق من جعل السجود كسجود الصلاة، وأنه لآدم تحقيقاً، ولو كان عبادة لله، لأن السجود كذلك عبادة يختص به الله فى كل زمان، وفى جعله قبلة تعظيم حق المعلم على من يتعلم { فَسَجَدُوا } كلهم أجمعون، أهل السماء وأهل الأرض منهم، كل سجد حيث هو شرع فى السجود أولا جبريل، فميكائيل، فإسرافيل فعزرائيل، فالملائكة المقربون، وقيل أولهم إسرافيل، وذلك يوم الجمعة من وقت الزوال إلى العصر، ويقال بقوا فى السجود مائة سنة، ويقال خمسمائة، وهذه الأقوال فى قول تفسير السجود كسجود الصلاة فى قول تفسيره بالانحناء { إِلاَّ إِبْلِيسَ } بمنع الصرف للعلمية والعجمة، وعلى أنه عربى من معنى الإياس من الخير أو الإبعاد عنه، فللعلمية، وكونه لا نظير له فى الأسماء، وبرده وجود وزن العلم واسم الجنس كاف فى انتقاء المنع لوزنه، أبا الجن على الصحيح أو مولود منهم الاستثناء منقطع، وفيه مناسبة للاتصال، إذ عبد لله مع الملائكة، وكان فيهم، كواحد منهم، حتى إنه قيل كان خازن الجنة أربعين ألف سنة، بعبدالله، ومع الملائكة ثمانين ألف سنة، ووعظ الملائكة عشرين ألف سنة، وساد الكروبيين ثلاثين ألف سنة، الروحانيين ألف سنة وطاف حول العرش أربعة عشر ألف سنة، وجاهد فى الأرض أربعين ألف سنة، ولم يترك موضعاً فى الجنة إلا سجد فيه، وأحبط الله عمله كله بترك السجود لآدم، وكفره شرك، لأنه أمر معينا فخالف مواجهة، فلا يختص كفره بمذهب الخوارج، وعصيانه دليل على أنه ليس ملكا، وكذا كونه من نار، وقوله كان من الجن، ودعوى أن من الملائكة من ليس معصوماً تكلف لا دليل له، وكون نوع من الملائكة غير معصوم لا يوجب أنه من ذلك الجن، فلعله من جن الشياطين المشهورين بهذا، وقد جعل الله كونه من الجن سببا لفسقه، وكونه ملكا سلخ عن الملكية فعصى دعوى، وهو مغمور فى الملائكة بإبهام أنه منهم لا بالاحتقار فلا ينافى رياسته { أَبَى } امتنع من السجود { وَاسْتَكْبَرَ } الاستفعال هنا للمبالغة، أى تقرر فيه كبر عظيم، وهو أصل الإباء أو مع الأنفة إلا أنه قدم الإباء، لأنه مما يظهر، والاستكبار قلبى إنما يظهر بأثره، وذكرا جميعا لبيان أن إباءه لا يزول، لأنه لكبر راسخ فيه { وَكَانَ مِنَ الْكَـٰفِرِينَ } فى علم الله تعالى وقضائه الأزلى، أو من الكافرين الذين فى الأرض قبل خلق آدم من الجن، وفى اللوح المحفوظ، أو كان كافراً لترك السجود طبق شقوته الأزلية، والآية دليل على أن الأمر للوجوب، إذ قطع عذره بمخالفة قوله اسجدوا دون أن يقول أوجبت عليكم أو نحو ذلك، وأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بذكر وقت قوله، لآدم اسكن.. إلخ، إذ قال:
{ وَقُلْنَا يَٰئَادَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ } لم يقل اسكنا لأنه المقصود بالذات، وهى تبع له فى جميع الأحكام، والأمور والأمر لهما أمر وجوب كما هو الظاهر، وكما هو الأصل، لا أمر إباحة، وهى جنة بين قارس وكرمان، أو فى عدن، أو فلسطين، والصحيح أنها دار السعداء، وقيل جنة فى السماء أن يذكرالله عز وجل الرفع إليها، وأن ذكره أولى، وأيضاً قال اهبطوا، والأصل فى الهبوط النزول من عال. ولو يطلق على الخروج من موضع ودخوله، حملته الملائكة من الدنيا، أو من باب الجنة على القول بأنه خلق عند بابها من تراب من الأرض، وأدخلوه الجنة، وقال له الله جل وعلا، اسكنها أنت وزوجك حواء ولا يمنع مانع من دخول إبليس مسارقة، أو فى فم الحية، كما كان يدخل السماوات وليس تكليف آدم بالترك للمأكل من الشجرة، ولغو إبليس وكذبهما عصيانا فيها كعصيانه أولا وكأكل آدم من الشجرة فلا ينافى ذلك قوله تعالى
{ { لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً } [الواقعة: 25] وأيضاً هذه الآية لأهلها الداخلين فيها للجزاء الذى لا يشوبه شىء، وقد قيل: وسوس إليهما من باب الجنة، وبعد أن استقر فيها خلق الله زوجه حواء من ضلعه القصرى اليسرى، وهو نائم، ولم يحس ألما، فيقال، لو أحس الألم كان الرجل لا يعطف على المرأة، وخلق الله فى موضع الضلع لحما، وذلك النوم ألقاه الله عليه إذ لا تعب فيها، أو من تعب فكر أو بدن فى أمر قضاه الله عز وجل لأنه دخلها غير جزاء له، ومن دخلها غير جزاء له جاز له عليه فيها ما يجوز عليه فى غيرها، مما شاء الله من نوم وتعب وحزن وخروج، وإذا دخلها بعد ذلك جزاء لم يجز عليه ذلك، وبسطت عدد الأضلاع واختلاف القول فيها فى وفاء الضمانة بأداء الأمانة، ومنها ما قيل أضلاع اليسرى سبعة عشر واليمنى ثمانية عشر { وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً } أكل رغد أو أكلا رغَدا، ونفس الرغد مبالغة وهو الوسع { حَيْثُ شِئْتُمَا } من حيث شئتما من أشجارها، وفى موضع من مواضعها مع سعتها فلا داعى لكما إلى تناول شجرة واحدة غير متعددة أنها كم عنها { وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ } الوحدة، شجرة الحنطة، أو العنب، أو النخلة، أو الحمص، الأترجة، أو التين، أو الحنظل حلوة فيها، أو الكافور، وتطلق الشجرة ولو على ما ليس له ساق كقوله تعالى { { شَجَرَةً مِّنْ يَقْطِينٍ } [الصافات: 146] أو غير ذلك، والأصل ولا تأكلا من هذه الشجرة، إلا أنه نهى عن القرب مبالغة، وأيضاً الأكل منها مسبب، أو أراد حقيقة القرب لأن القرب إليهما يؤملهما فيها لاطلاعهما على شأنها مع وسوسة الشيطان { فَتَكُونَا } يقول، لا تقربا فلا تكونا، فهو مجزوم على العطف، أو لا يكن منكما قرب هذه الشجرة، فكونكما، فهو منصوب فى جواب النفى { مِنَ الظَّٰلِمِينَ } المضرين لأنفسهم، أو الواضعين الشىء فى غير موضعه، أو الناقصين لحظهم وحظ الحق.