التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ
٩٣
-البقرة

تيسير التفسير

{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَٰقَكُمْ } على التوراة درسا وتفهما وعملا، والحال أنا رفعنا الطور كما قال { وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ } يسقط عليكم إن امتنعتم من قبولها، مقولا لكم، أو قائلا لكم { خُذُوا مَآ ءَاتَيْنَٰكُمْ } جعلنا آتيا إياكم { بِقُوَّةٍ } باجتهاد، وترك الكسل، والفتور، كما هو عادة المنافقين { وَاسْمَعُواْ } سماع إجابة { قَالُواْ سَمِعْنَا } قولك بآذاننا { وَعَصَيْنَا } بقولنا وجوارحنا، لا نعتقد أمرك، ولا تعمل به جوارحنا، كل ذلك باللسان، أو سمعنا بلسان النزل، وعصينا بلسان الحال، أو سمعنا قبل أحكاما، وعصينا { وَأُشْربُواْ } كل ذلك باللسان، أو سمعنا بلسان المقال، وعصينا الحال، أو سمعنا قبل أحكاما، وعصينا { وَأُشْرِبُواْ } أشربهم الشيطان بالوسوسة، أو أشربهم الله بالخذلان، أو موسى، إذ برد بالمبرد العجل وسقاهم برادته، كما يأتى إن شاء الله، جعل مخالطا كما يخالط الشراب أعماق البدن، أو كما يدخل الصبغ الثوب، وهذا على أنه من الإشراب بمعنى دخول لون على لون { فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ } حب العجل، ورسخ كمارسخ الماء فى محله من العطشان، أو الصبغ فى الثوب، قيل: ولك أن تقدر حب بأن رسخت صورته وشغفوا بها، وفيه بعد، إذ لا بد من حكم يعرض على ذات، فيقدر شغف أو حب، ووجهه المبالغة، بأنه كأنه نفسه مشروب، وبأنه مثل قولك، فلان يأكل فى جيمع بطنه إذا بالغ فى الأكل، وذكر القلوب مع أن الحب لا يكون إلا فيها ليجمع بين مزيد التقدير والتأكيد، وبيان أن المشرب الحب، إذ لم يذكر، ولفائدة البيان بعد الإجمال أو بعد الإبهام، فإن محل الشرب فى المعتاد البطن، واختار الإشراب لأن الماء أبلغ مساغا فى البدن، ومطية الأغذية والأدوية.
وقيل: برده موسى بالمبرد، وألقاه فى الماء، وأمرهم بشربه. فمن أحبه خرجت برادته إلى شفتيه، وهو قول بارد، وبرده ذكر القلوب أو يضعفه، وقيل: ربط إلى قلوبهم كما يشرب البعير بمعنى شد فى عنقه حبل يمسك به { بِكُفْرِهِمْ } بسبب كفرهم السابق على اتخاذ العجل كفر شرك، وهم مجسمة، يجيزون ألوهية الأجسام، أو حلولية، يجيزون حلول الله، والألوهية منه فى الأجسام زادهم الله عذابا فى الدنيا والآخرة { قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَٰنُكُمْ } بالتوراة. والمخصوص بالذم عبادة العجل، تهكم عليهم بأن إيمانهم بالتوراة أمرهم بعبادة العجل، فذاك نفي للإيمان بها، لأن الإيمان يورث العلم والحكمة والفهم، والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، لا عبادة غير الله، ولا سيما أبلد الحيوان، وهو البقر، ولا سيما صغيره، أو المخصوص قتل الأنبياء ونحوه، أو قولكم عصينا، أو كل ذلك، وما ذكرته أولا أولى { إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } بها، متصل بما قبله، أو إلا كنتم مؤمنين بها فاعملوا بما فيها، أو فلا تقتلوا الأنبياء، ولا تكذبوا الرسل، ولا تكتموا لحق، أو ما كنت مؤمنين إذ خالفتموهم إنكاراً أو فسقا، وإن نافية.