التفاسير

< >
عرض

فَقُلْنَا يآءَادَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ
١١٧
إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىٰ
١١٨
وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَىٰ
١١٩
-طه

تيسير التفسير

{ فَقُلنا } نصحاء لآدم { يا آدمُ إنَّ هذا } أى الذى لم يسجد لك { عدوٌّ لك ولزّوجك } أعاد اللام للدلالة على ان عدواته لحواء بالأصالة، لا بالتبع له، ولولا ذلك لقيل لك وزوجك، بالنصب على المعية، أو بالجر عطفاً بلا إعادة للجار، كقوله تعالى: " { تَساءلُونَ به والأرْحَام } " [النساء: 1] بجر الأرحام، وعلى أنه لا بد من إعادة الجار فعلة إعادته أيضاً ما ذكر من الدلالة على الأصالة المذكورة، لأنه يمكن أن يقال احذره أنت وزوجتك، فإنه عدو لكما، أو عدو لك وزوجك بالنصب، ونحو ذلك مما لا يحتاج إلى إعادة اللام، كما نقول: التنكير للمبالغة فى: " { واشتعل الرأسُ شيباً } " [مريم: 4] مع أن التمييز أبداً نكرة، لأنه يمكن أن يقال اشتعل شيب الرأس، أو شيب الرأس اشتعل، واشتعل الرأس شيبة أو بشيب ونحو ذلك، مما لا تمييز فيه.
وتلك العداوة حسد، وهو أول من حسد، وقيل عاداه، لأنه شيخ جاهل، وآدم شاب عالم، والجاهلون لأهل العلم أعداء، أو لتنافى النار للطين، ولا يقال إبليس أعلم لقدمه، وكثرة جاربه، لأن ذلك ليس على رسوخ منه، وآدم راسخ ولو قل علمه لأشياء ألا ترى ستغفارة عقب الذنب، وما ذلك إلا لرسوخ معرفته بالله، ولو قيل له يكون إبليس مكانك فى الجنة لم يمتنع، ولو ينقص استغفاره، ورمى أبو أمامة الباهلى، والحسن أن عقل آدم كعقل جميع أولاده.
{ فلا يُخرجنَّكُما مِنَ الجنَّة } لا يؤثر فيكما كيده، أو لا تأثراً بكيده { فتَشْقى } تلحقك متاعب الدنيا، من مرض وحزن، وحرارة وبرد، وجوع وعراء وظمأ ونحوا ذلك، ومشاق تحصيل المعاش، وأفرده بالذكر لأنه الأصل، ولاستلزام شقائه شقاءها لا للفاصلة، إذ لو قال فتشقيا لتمت، إلا أن يقال إتمام الفاصلة آخر الفعل أولى وأنسب من إتمامها بضمير كما تمت فى أبى وتضحى ويبلى وغوى، ومراعاة هذا وجه حسن، وكذا فى قوله:
{ إنَّ لكَ ألاَّ تجُوعَ فيها ولا تَعْرى * وأنَّك لا تَظمْأ فيها ولا تَضْحى } لا تكون منكشفاً للشمس، إذ لا يصل من فى الجنة الى جوع أو عطش أو عراء أو بروز للشمس، ولا شمس فيها، بل يتنعمون بتلك النعم على حسب خطور ذلك ببالهم، بدون حضور أضداده، وجمع الجوع مع العراء لا مع الظمأ، والظمأ مع الضحو، لأن الجوع خلو الباطن، والعرى خلو الظاهر، والظمأ حرارة الباطن، والضحو حرارة الظاهر، والحاصل أنه لا يصيبك ضرر باطن ولا ظاهر، ولو جمع انتفاء الجوع، وانتفاء الظمأ لتوهم أنهما نعمة واحدة، أو قرب التوهم، وكذا انتفاء الضحو والعرى، كما قطع امرؤ القيس كوب الجواد عن قوله لخيله كرى كرة، وقطع تبطن الكاعب عن ترشيف الكاسب فى قوله:

كأنى لم أركب جواداً للذة ولم أتبطن كاعباً ذات خلخال
ولم أسبا الزق الروى ولم أقل لخيلى كرى كرة بعد إجفال

وقد يقال جمع الأولين للذة، والأخيرين للشجاعة، والآية تفصيل لمضمون بعض قوله تعالى: { فلا يخرجنَّكما } الخ، وبقى كثير لكفاية التمثيل بقليل، فإن فى الجنة أيضاً نكاحاً وغيره، مما يلذ، ولا يصح أنه قال الى فى الجنة ما آكل وأشرب وألبس وأستظل، فذكر له ما طلب.