التفاسير

< >
عرض

قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ
٥٠
-طه

تيسير التفسير

{ قال ربُّنا } أى الله ربنا، ونالهما، وقيل للعالمين كما قال: " { إنا رسول رب العالمين } " [الشعراء: 16] تحقيقا للحق ورداً على اللعين القائل: " { أنا الله رب العالمين } " [القصص: 30] مع أن ملكه فى القبط فقط لم يبلغ الشام، أو غيرهما كما قال شعيب فى مدين: " { لا تخف نجوت من القوم الظالمين } " [القصص: 25] { الذى } نعت أو رب مبتدأ أو الذى خبر، ومعنى قوله:
{ أعْطَى كُلَّ شىء خَلْقه } أى إيجاده الذى وعد به إجمالا لذات كل شىء، وتفصيلا لأجزائها كعينين وعين واحدة، وصحة ومرض، ولون وطول وعرض، وغير ذلك، ومن ذلك الذكورة والأنوثة، وأولى من هذا أن الخلق بمعنى المخلوق أى أعطى كل شىء ما وعد من تلك الصفات. والأحسن فى حكمة الله، هو ما قضى لكل أحد كعور الأعور، ومرض المريض، وكما الأعضاء وصحتها ونحو ذلك، فلا حاجة الى دعوى، أن المراد الأنواع تحرزاً عن نحو العرو والمرض، مع أنه ليست فى الآية هذه ذكر الأحسنية، حتى يحتاج الى تأويل ما لا حسن فيه، كالعور، وإن أراد القائل بالأنواع أن الأفراد لم توجد بكلها، بل منها ما يأتى، بخلاف الأنواع فإنها تمت بحسب الظاهر، قلنا المعنى أثبت لكل شىء ما سبق به القضاء، ودله على صلاحه، وقيل يسر لكل شىء عضو مصالحه، الرِّجْل للمشى، واللسان للنطق، والعين للنظر، والأذن للسمع.
وقيل: جعل زوجة البعير النافة، والفرس الرمكة، والحمار الأتان وكل مفعول أول، وخلق مفعول ثان، والهاء لشىء، ويجوز أن يكون خلق مفعولا أو بمعنى الشىء المخلوق، والهاء لله، وكل مفعولا ثانياً أى أعطى مخلوقاته كل شىء يحتاجون إليه.
{ ثم هَدَى } دل بإعطاء كل شىء خلقه عل وجوده، وجوده بالنعم التى لا تحصى، وقيل: ألهم الذكر كيف يأتى الأنثى، وثم لتراخى الرتبة إن لم يكن هنا تراخ فى الزمان، ويجوز تفسير الهدى بالإرشاد الى المصالح والإلهام إليها، وكل عاقل يعلم أنه لم يوجد نفسه ولا جسماً من الأجسام، ومن هنا سؤال عما يعين، ومن فى موضع آخر سؤال عن الماهية، وقد مر أن فرعون عارف بالله تعالى إذ سجد له، وسأله جريان النيل، فهو من باب
" { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم } " [النمل: 14] فيبقى قوله عز وجل: " { لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر } " [الإسراء: 102] على ظاهره.