التفاسير

< >
عرض

فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ثُمَّ ٱئْتُواْ صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ ٱلْيَوْمَ مَنِ ٱسْتَعْلَىٰ
٦٤
قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ
٦٥
-طه

تيسير التفسير

{ فأجْمعُوا كَيْدكم } إذا كان الأمر كذلك من إرادتهما الاستعلاء عليكم بدينهما، والذهاب بطريقتكم، فلا تتركوا شيئاً مما تكيدونهما به، والأكثر فى أجمع أن يكون فى المعانى، وقد يستعمل فى الأجسام، وجمع فى الأجسام، وقد يستعمل فى المعانى { ثم ائتوا صفاً } صيروا صفاً من باب صار، كما يقال: ما جاءت حاجتك، أى كيف صارت، والمراد صف واحد من السحرة، وهم سبعون رجلا ساحراً اثنان من القبط، والباقون من بنى إسرائيل، وقيل اثنان وسبعون مع كل واحد حبل وعصا، قيل: قهر بنى إسرائيل على تعلم السحر، أو أريد كلهم فهم صفوف، فيكون المعنى مصطفين، وقيل السحرة تسعمائة ثلاثمائة من الفرس وثلاثمائة من القبط، وثلاثمائة من الإسكندرية.
وقيل اثنى عشر ألفا، وقيل: وقيل: خمسة عشر ألفاً، وقيل: ثلاثة وثلاثون ألفاً، وإذا جعلنا الإتيان على ظاهره كان صفاً حالا مقدرة. ويجوز أن يكون صفا اسم موضع من ذلك المكان السوى أو هو ذلك المكان كله، فيكون مفعولا به، والمكان واسع، خاطبهم موسى فى موضع منه، وتنازعوا فى موضع منه، ثم أمروا أن يأتوا وسطه، ويجوز إبقاء الإتيان على ظاهره، أن يكون صفا حالا مقدرة بمعنى ذوى صف، بمعنى اصطفاف، فيحتمل صفوفاً أو مصطفين كذلك.
{ وقد أفلَح اليَوْم مَن اسْتَعلى } من بالغ واجتهد فى أسباب العلو باستعمال كل ما قدر عليه من المكائد فيحصل له العلو بالغلبة، وما وعد له فرعون من الأجر والتقريب، أو أريد قوم فرعون جميعاً، كقولهم بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون، أو ذلك من كلام الله عز وجل. ومن استعلى هو موسى وهارون وهذا لا يكون إلا بتقدير أل ليوم أى قال الله: "وقد أفلح اليوم من استعلى" على أن أل فى اليوم للعهد الحضورى، أو بجعل اليوم يوم الزينة، وأل للعهد الذكرى، ذكر الله لنا عز وجل أن الاستعلاء فى ذلك اليوم لموسى وهارون، على الأوجه كلها يجوز كون استعلى بمعنى على، أو بمعنى علا علوًّا عظيماً، وهو أولى { قالوا } كأنه قيل فماذا كان بعد ذلك، فأجاب بقوله: "قالوا" وقس على هذا كل ما يقبله من القرآن فلا احتاج الى التكرار لك { يا موسى إما أن تُلْقَى } خبر لمحذوف، أى الواجب أو الأمر أو اللائق أما إلقاؤك أولا، أو مفعول لمحذوف، أى اختر إما أن تلقى أولا، وإنما قدرت أولا، لأنه فى مقابله بعد، والأنسب للمعنى أن يكون مبتدأ، أى إلقاؤك إما أو كما قال:
{ وإما أن نَكُون أول من أَلْقَى } من الفريقين، أحدهما موسى وهارون، والآخر نحن خيروه ثقة بنجاح عملهم وغلبتهم لهما، أو مراعاة للأدب، والمراد بالإلقاء العمل فى السحر مطلقاً، إذ لا يدرون أن عمل موسى إلقاء ولا غيره، ولو شاهد وإلقاء عصاه، وانهزام فرعون والقوم بها على أنهم ظنوا أنه يجدد عملا آخر غير مهلك، كما أن عملهم كذلك، ولا مفعول للإلقاء، على أن المعنى تستعمل الإلقاء، وإما أن نكون أول من استعمله، أو يقدر تلقى ما تلقى، وإما أن تكون أول من ألقى ما ألقى، وألقى ماض بمعنى المضارع، استعمله للفاصلة، أو اعتبروا وقوع الإلقاء ومضيه بعد حتى، إذا أخبر عنه مخبر، قال: هم أول من ألقى.