التفاسير

< >
عرض

يَوْمَ نَطْوِي ٱلسَّمَآءَ كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ
١٠٤
-الأنبياء

تيسير التفسير

{ يَوْم نَطْوى السَّماء } متعلق بتتلقاهم أولى من تعليقه بيحزن أو بالغزع، والمصدر يتعلق به، ولو نعت كقوله:

إن وجدى بك الشديد أرانى

أو فضل أو بدل كل من هاء توعدونه المحذوفة، والمراد بالسماء الجنس بل الاستغراق لقوله تعالى: " { والسَّماوات مطويَّات بيمينه } " [الزمر: 67] وهذا الطى يعقبه إفناء أو تبدل بغيرهن لقوله سبحانه: " { يوم تبدَّل الأرض غيرَ الأرض والسَّماوات } " [إبراهيم: 48] أو يراد بهذا التبدل تعويض أرض الجنة وسماءها { كطىِّ السِّجل } الكاف اسم مضاف مفعول مطلق نائب عن محذوف أى طيا مثل طى، أو حرف أى طيا ثابتا كطى السِّجل، والسجل الصحيفة وخصه بعض بصحيفة العهد، وقيل هو فى الأصل حجر يكتب فيه، ثم سمى به كل ما يكتب فيه من قرطاس أو جلد أو غيرهما.
{ للكُتُب } نعت للسجل على قصد الجنس، أو حال له، والكتابة مصدر، أو اللام للتعليل متعلق بطى، فإن المكتوب يطوى محافظة على ما كتب فيه، وإن جعلنا السجل اسما للذى كتبه فاللام للتقوية، والكتاب مفعول به لطى، فقد قيل السجل اسم ملك موكل بالصحف إذا مات إنسان رفع كتابه اليه فطواه ليوم القيامة، ولا بأس بتشبيه الأقوى بالضعيف كقوله تعالى:
" { مثل نوره كمشكاة } " [النور: 35] أو اعتبر القوة هنا بما فى الأذهان من أن طى الورقة لضعفها ودقتها وصغرها أقوى من طى السماء، وعن ابن عباس وابن عمر، السجل كاتب النبى صلى الله عليه وسلم، وهو وصف لا علم له فلا يضعف بأنه لا يعرف فى الصحابة رجل اسمه سجل، وقد قيل اسمه زاد بن مردويه، والأكثر أن السجل الصحيفة والجمهور على أنه اسم عربى، وقيل فارسى معرب.
{ كما بَدَأنا أوَّل خَلق نُعيدُه } نعيد الموتى بعد فنائهم بأجسامهم الأولى نفسها، كما خلقناهم، أول مرة، وقيل: ما تلف وفنى، يخلق مثله، والروح لا تبدل وهى المتلذذة، أو المتألمة وليس الإحياء بعد الموت أصعب من الإيجاد الأول بل أسهل لبادى الرأى، وهما عند الله سواء، ومن قال: أسهل أشرك لوصف الله سبحانه بالعجز، وعجم الذنب لا يفنى، والأنبياء، ومن التحق بهم لا تفنى أجسامهم كما ورد فى المؤذني المحتسبين، وفى أنواع من الأعمال، والكاف اسم مضاف للمصدر مفعول مطلق، أى نعيده إعادة مثل بدئنا إياه أو إعادة ثابتة كبدئنا إياه، وما مصدرية كما رأيت، أو اسم أى كبداً بدأناه، أو كالبدء الذى بدأناه، أو كما مكفوف وكاف، وفى ذلك خلقان الثانى يشبه الأول.
قالت عائشة رضى الله عنها: دخل علىَّ رسول الله صلى عليه وسلم وعندى عجوز من بنى عامر فقال:
" من هذه العجوز يا عائشة" فقالت إحدى خالاتى، فقالت: ادع الله أن يدخلنى الجنة يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: " إن الجنة لا يدخلها عجوز" فأخذها، ما أخذها فقال صلى الله عليه وسلم: " ينشئهن خلقا غير خلقهن" ثم قال: "تحشرون حفاة عراة غرلاً" فقالت: حاشى لله تعالى من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بلى إن الله تعالى قال: { كما بدأنا أول خلق نعيده } " فأفادت الآية البعث ردا على منكريه، وأفادت أنهم يبعثون كما كانوا، فترد إليهم شعورهم وأظفارهم، وقلفة الختان من ذكر وأنثى، وكل جلدة فى طول أعمارهم وقصرها.
{ وعداً عَلْينا } مصدر مؤكد مثل: أنت ابنى حقاً، أى وعدنا ذلك وعداً، وإذا اعتبر فى نعيد معنى الوعد كان مصدراً مؤكدا له، كعلى ألف عرفاً، وعلينا نعت وعداً أى ثابتاً باللزوم منا، أو وعداً بمعنى إخبار بخير ونعت بعلينا اعتبار المعنى موعود على معنى علينا إنجازه بطريق الاستخدام، وفيما مر كفاية { إنَّ كُنَّا فاعلين } لذلك محالة، وذلك تأكيد آخر، ويقال معناه قادرين على الفعل، ويقال: فاعلين للماضى ولتحقق الوفوع، وكل ذلك صحيح المعنى فى نفسه، إلا أننا نعتبر الظاهر ما وجدنا صحة بلا ضعف، ولعل وجه التفسير بالقدرة اعتبار أن اسم الفاعل للحال القدر والفعل مستقبل.