التفاسير

< >
عرض

كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ
٣٥
-الأنبياء

تيسير التفسير

{ كُلُّ نفسٍ ذائقةُ المَوْت } تلابسه على وجه تتألم به على اختلاف الناس فى شدته، فهوعلى بعض أشد منه على آخر، قال صلى الله عليه وسلم: " إن للموت سكرات" وأما ما جاء من أن بعض الناس ما أحسوا للموت إلهاً فشاذ، والذوق مجاز عن أهل لإدراك، وحقيقته فى الطعم، والموت لا يؤكل، وبعد حصوله لا يدرك لعدم وجود الروح فى البدن، فذوقه ذوق مقدماته من الآلام العظام، وزعم بعض أن الروح تتألم بالموت بعد مفارقة البدن، والموت زوال الحياة عن الحى، فهو أمر عدمى كزوال البصر عمن يبصر، والسمع عمن يسمع، والنطق عمن ينطلق، والحس عمن يحس، فالجنين قبل نفخ الروح فيه ليس ميتاً لعدم تقدم الحياة فيه، هذا مذهب الجمهور، وقيل هو عدم الحياة عما من شأنه أن يحيا حيى أو لم يحى، فاجنين ميت على هذا لقوله تعالى: " { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم } " [البقرة: 28].
وقال أبوالحسن الأشعرى:الموت أمر وجودى يضاد الحياة، لقوله تعالى:
" { خلق الموت والحياة } " [الملك: 2] والخلق الإيجاد ولأنه جائز، والجائز لا بد له من فاعل، وأجيب بأن الخلق بمعنى التقدير أو بأن خلق الموت خلق أسبابه على تقدير مضاف، وأن الفاعل يريد العدم، كما يريد الحياة، فالفاعل يعدم الحياة كما يعدم البصر مثلا، وإذا كان أمراً عدمياً فهو عرض، وتوقف بعض القائلين بأنه وجودى، أجوهر أوعرض، ويدل لعرضيته ما روى فى بعض الأحاديث: أنه أمر خلقه الله فى كف ملك الموت، وعلى أنه جوهر ما فى بعضها، أنه خلقه الله على صورة كبش أملح لا يمر بشىء يجد ريحه إلا مات، وجل عبارات العلماء اما أنه عرض يعقب الحياة، واعترض بأنه غير مانع لشموله العمى بعد البصر ونحو ذلك.
وأجيب ببقاء حياة العين مثلا، وأما أنه فساد بنية الحيى، وهو تعريف بالعارض، ومثله قول بعض أنه تعطل القوى لانطفاء الحرارة الغريزة التى هى آلتها، فإن كان ذلك لانطفاء الرطوبة الغريز فالموت الطبيعى، وإلا فقير الطبعى.
وعن ابن عباس فى قوله تعالى:
" { خلق الموت والحياة } " [الملك: 2] ان الموت الآخرة، والحياة الدينا، والآية تقضى بموت الإنساء والجن والملائكة، والحيوانات والحور والولدان، والأرواح ويعبر عنها بالنفوس، ثم يبعثرن كل شىء هالك إلا وجهه وزعم بعض أن الأرواح لا تموت، وبعض أن الحور والولدان لا يموتون، وبعض أن بعض الملائكة لا يموتون كالملائكة الأربعة، وأن أرواح الأفلاك والقمرين والنجوم لا تموت على زعم أن لها أرواحاً قال أحمد بن الحسين:

تنازع الناس حتى لا اتفاق لهم إلا على شجب والخلق في شجب
فقيل تخلص نفس المرء سالمة وقيل تشرك جسم المرء في العطب

{ ونُبْلوَكم } نعاملكم معاملة المختبر، ولا يخفى عنا شىء، والخطاب للناس كلهم، أو للكفرة على طريق الالفتات من الغيبة الى الخطاب { بالشرِّ } ما تكرهون فيكم، وفيمن يليكم مطلقا كالشدة والفقر، والمرض والجنون وغير ذلك، هل تصبرون عليه { والخَيْر } ما تحبون فيكم، وفيمن يليكم مطلقا كالرخاء، وصحة البدن، والغنى والعقل، وغير ذلك، هل تشكرونه؟ وقدم ما يكرهون وهو الشر، لأنه أليق بهم لكفرهم، ولو أريد بالخطاب الناس مطلقا، ولأنه أنسب بالموت المذكور قبله، ولأن الخير أيضا شر لميل النفس به الى البطر { فتْنَة } ابتلاء، فهو مفعول مطلق، أو مفعول من أجله أى لإظهار جودتكم بالشكر والصبر، ورداءتكم بالجزع، والكفر والأول أولى لعدم احتياجه الى تأويل بالإظهار، وزعم بعض أنه يجوز أن يكون حالا بمعنى مظهرين، وهو خطأ لأن اللفظ تسمية لله عز وجل بلفظ الفتنة مع تأويل بالمشتق، والفسير بالإظهار، وكل من المحنة والمنحة ابتلاء، هل يصبرون ويشكرون، والنفس تميل بالطبع الى البطر، فالقيام بحقوق الصبر أيسر من القيام بحقوق الشكر، قال عمر: بلينا بالضراء فصبرنا، وبالسراء فلم نصبر، قال: على من وسع عليه دنياه، ولم يعلم أنه لعله مكر به، فهو مخدوع عن عقله.
{ وإلينا } وحدنا { ترجعون } للجزاء بما فعلتم من خير أو شر، على أن الخطاب بالكاف للناس، فذلك وعد ووعيد، أو للعقاب على أنه للكفار فهو وعيد، وإنما خلق المكلفون للابتلاء.