التفاسير

< >
عرض

فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ
٨٤
-الأنبياء

تيسير التفسير

{ فاسْتجبنا له فَكَشفنا ما به من ضَرٍّ } أوحى الله عز وجل اليه ارفع رأسك من السجود، اركض برجلك فركض فنبعت عين ماء فاغتسل منها، فبرىء ظاهره، وركض أخرى فنبعث أخرى وشرب منها فبرىء باطنه كما كان، وكساه الله حلة فقعد فى مكان مشر ف وقالت زوجه: لا أتركه ولو طردنى لئلا يموت جوعا وعطشا، فطافت حول الكناسة وبكت، فقال ما تريدين يا أمة الله؟ فقالت: هذا المبتلى، فقال ما كان منك؟ فقالت: بعلى، فقال أتعرفينه إن رأيته؟ فقالت: هل يخفى وهو أشبه خلق الله بك، فتبسم فقال: أنا هو، فعرفته بضحكه، فاعتنقته، وروى أنها قالت له: ادع الله أن يشفيك، فقال: كم مدة الرخاء؟ فذكرت مدة طويلة، وروى ذكرت ثمانين سنة، فقال: أستحيى من الله أن أدعوه وما بلغت مدة بلائى مدة رخائى.
{ وآتيناه أهْله } زوجه وأولاده، ومعنى رد امرأته رد شبابها، لأنها حية قائمة به فى مرضه، أو كان زوج أو أزواج أخر ميتات، فأحياهن الله تعالى له، وقيل: ماتت فردها الله، وقيل أولاده { ومِثْلهُم مَعَهم } عطف على استجبنا، ولا مانع من عطفه على كشفنا المنسحب عليه الدعاء، لأن الضر فى دعاء أيوب شامل لذهاب المال والبنين، فالضر فى كلام الله ضر بدنه فقط، وذكر زوال ضر الذهاب بقوله: { وآتيناه أهله ومثلهم } معهم أو أراد الضر العام الذى فى دعاء أيوب عليه السلام، وخص بعد تعميم، إذ قال وآتيناه، وإن أراد أيوب ضر بدنه فلا بأس، بل يذكره الله ويزيد عليه كما تقول: سألت الله العلم فأعطانيه والمال، وإيتاه ذلك إحياء الله له أولاده الموتى، وزوجه إذ ماتت، وزاد له زوجا أخرى وأولادا أخرى، بأن يلدهم منها، فتكون بنوه سبعة عشر، وبناته سبع عشرة، وقيل: أحيا اولاده وولدوا.
ويروى أن الله تعالى قال له: اذهب الى إندارك، فذهب فأرسل الله تعالى عليه جرادا من ذهب، فذهبت جرادة فردها، فسمع نداء: يا أيوب ألم أغنك؟ فقال: بلى يا رب، ولكن هذه بركة من بركاتك، فلا أشبع من بركتك، وعن عباس أنه سال النبى صلى الله عليه عن الآية فقال:
" رد الله امرأته إليه وزاد فى شبابها حتى ولدت ستة وعشرين ذكراً" وعلى هذا ليس ذلك باحياء الأولاد الموتى، وروى أنه جعل الله تعالى له مخزنا من جراد كلها من ذهب، فطارت جرادة فأخذها، فقال له ملك: ألم يكفيك ما بقى؟ وعنه صلى الله عليه وسلم: " أفرغ الله عز وجل سحابة ذهب فى أندر قمحه، وسحابة فضة فى أندر شعيره، حتى فاضا وكان يغتسل فخر عليه جراد من ذهب، فجعل يجمعه فى ثوبه، فأوحى الله إليه ألم أغنك عما ترى فقال: بلى وعزتك، لكن لا غنى لى عن بركتك" رواه البخارى عن أبى هريرة مرفوعا، قال عكرمة: قيل لأيوب: أهلك فى الآخرة، فإن شئت عجلناهم لك فى الدنيا، وإن شئت كانوا لك فى الآخرة، وآتناك مثلهم فى الدنيا، فقال: بل يكونون لى فى الآخرة وأوتى مثلهم فى الدنيا، فمعنى الآية وآتيناه أهله فى الآخرة ومثلهم معهم فى الدنيا، وأراد بالأهل الأولاد وعاش بعد زوال الضر سبعين سنة فيما قيل عن ابن عباس، ففى قول: يكون عمره ثمانين وسبعين ونحو ذلك يحسب لأقوال السابقة.
{ رحمةً } بمفعول من أجله، أى لأجل رحمتنا له، أو مفعول مطلق لآتينا، لأن الإيتاء رحمة، أو لمحذوف أى رحمناه رحمة، ولا ضعف فيه بل هو اقوى من التعليل { مِن عندنا } نعت لرحمة، أو متعلق بآتينا { وذِكْرى } اسم مصدر بمعنى التذكير { للعاملين } ليصبروا فيثابوا كما أثيب أيوب، وكل على قدره، ولا يجزعوا فيحبطوا ثواب عبادتهم متعلق بذكرى، شبه لام التقوية وإن أريد بالذكر المعى الحاصل من المصدر كان نعتا لذكرى، ولا يحسن أن يجعل رحمة متنازعا مع ذكرى فى للعابدين، لأن رحمة ذكر فى شأن أيوب.