التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ
١٨
-الحج

تيسير التفسير

{ ألَم تَرَ } ألم تعلم يا من يتأتى منه العلم، والآية بيان لقوله: " { إن الله يفصل بينهم } " [الحج: 17] بتعذيب فريق بعمله، وإهانته وإصابة آخر بعمله وإكرامه، أو تقرير لقوله: " شهيد" أو تفريع على اختلاف الكفرة مع وجود الصارف الى الإيمان { أن الله يسْجُد له من فى السَّماوات ومن فى الأرض } ينقادون له فى خلقه إياهم، وتصرفه فيهم لا يتعارصون، أو السجود مجاز عن دلالة لسان حال الأشياء بذلتها، وافتقارها على صانعها وعظمته عز وجل، ومن عمت العقلاء وغيرهم فعطف قوله:
{ والشَّمسْ والقَمْر والنجوم والجبالُ والشَّجَر والدواب } عطف خاص على عام لشهرة هذا الخاص، واستبعاد الجاهل إذا عانه بالسجود، ولأنه عبد من دون الله، عبدت حِمْير الشمس، وكنانة القمر، وتميم الدبران، ولخم وقرش الشعرى، وطيئ الثرياء، وأسد عطارد، وبيعة المرزم، وأكثر العرب الأصنام المنحوتة من الحجر، وقد ذكر الجتال وغطفان العزى، وهى شجرة وقد ذكر الشجر، ومن الناس من عبد البقر وقد ذكر الدواب { وكثيرٌ من النَّاس } فاعل المحذوف، أى ويسجد له كثير من الناس سجود الصلاة والتلاوة والشكر والدعاء، دل عليه يسجد، ولو اختلف معناهما لحصول الملازمة والمناسبة، لأن فى سجود العبادة سجود الانقياد، فهو كقولك زيداً ألبست غلامه أى أكرمت زيداً، وعمراً ضربت غلامه، أى أهنت عمراً، فليس كقولك: زيد ضارب بالعصا، وعمرو، تريد وعمرو ضارب أى مسافر فضلا عن أن يمنع، ولك العطف بلا تقدير، فما المعنى يسجد له بالانقياد الناس كلهم وغيرهم، وكثير منهم بالانقياد بسجود الوجه أيضاً، بل قد أجاز بعض استعمال المشترك فى معنييه، وبعض استعمال للفظ فى حقيقته ومجازه، ويجوز تقدير: وكثير من الناس حق له الثواب مقابلة لقوله:
{ وكثير حقَّ عليه العَذاب } ويبعد التفسر بقولك وكثير من الناس والمعتبرين لتقواهم وصلاحهم، غير المتقى، كأنه ليس من الناس كما تقول زيد الرجل تريد الكمال على أن يكون كثير مبتدأ خبره حق عليه العذاب، أى لا يسجد، فالمعنى وكثير من الناس يسجد عبادة، وكثير لا يسجد فعبر عنه بحق عليه العذاب، وهؤلاء لازمه وسببه، ويجوز على بعد عطف كثير على كثير، على أن حق الخ نعت الثانى، وكلاهما ساجد عبادة، لكن الثانى سبقت له الشقاوة، أو يسجد لله، ويسجد للأصنام، والكلام على الجن كالكلام علىالإنس، لأن الصواب القول بأنهم مكلفون، وزعم بعض أن الناس الجن، وورد فى كلام العرب نحو جاء ناس من الجن.
{ ومََن يُهن الله } بالخذلان والشقوة لعمله { فمالَه مِنْ مُكرم } يسعده { إنَّ الله يفْعَل ما يشاءُ } من إكرام وإهانة وغيرهما.