التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ
١
يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ
٢
-الحج

تيسير التفسير

{ يا أيُّها الناسُ اتَّقُوا ربَّكم } الخطاب الذى حكمه العموم خطاب للموجودين من المكلفين فى حال النزول، والذي سيوجدن، أو سيوجد تكليفهم مثل من وجد، وهو طفل أو مجنون، وقضى الله حياته، وذلك تغليب، وقيل: حقيقة وهو مذهب الحنابلة، وطائفة من المتقدمين والفقهاء. وقيل: مجاز، وقيل: خاص بالمكلفين الموجودين حال النزول، وأما غيرهم فملتحق بهم من الحديث ومن القرآن، لما جاء فيه بطريق العموم والغيبة، مثل من فعل كذا، ومن لم يفعل كذا فله كذا، وعليه كذا وكذا الخلف فى جمع المذكر السالم جمع صفة، وواو الجمع تدخل فيه الإناث تغليبا أو حقيقة أو مجاز، أو لديل آخر من القرآن مثل من فعل أو لم يفعل أو من الحديث.
وقيل الخطاب خاص بأهل مكة، وعليه فالتقوى ترك الشرك بخلاف غير هذا القول، فإنها تعم ترك المعاصى مطلقا، لكن لا مانع من التعميم أيضا فى أهل مكة، لأن التحقيق خطاب المشركين بالفروع، ولو كان الأنسب الأمر أولا بالتوحيد، ولا خلاف فى دخولهن فى نحو الناس والإنسان، مثل:
" { إنَّ الإنسان لفى خسر } " [العصر: 2] الآية مما لفظه عام ولا علامة تذكيره ولا تأنيث فيه، ولفظ الرب تغليظ كأنه قيل احذروا عقوبة مالك أمركم ومريبكم.
{ إنَّ زَلزْلة السَّاعة شىءٌ عظِيمٌ } تحريك الأرض الدال على قرب الساعة جدا، وهى قبل طلوع الشمس من مغربها شىء عظيم، وهى نفخة الفزع وبعدها نفخة الموت، وبعدها نفخة البعث، تموج الوحوش والإنس والجن مختلطين، وأضاف الزلزلة للساعة لأنها من أشراطها، وقربها كأنها مجاورة، كأنه وقعت الزلزلة فى الساعة، فيكون من إضافة المصدر الى وقته، أى فى الساعة أو الى فاعله، على أن المزلزل للأرض هو الساعة مجازا أو الى المفعول به المتجوز به، كأنه زلزل الله الساعة، والمزلزل حقيقة هو الله جل وعلا فى ذلك كله، أو الملك، وفعله فعل لله سبحانه، والزلزلة تكون بأمره ملكا موكلا على جبل قاف بتحريك عروق الأرض المتصلة بجبل قاف.
وكذا إذا أراد زلزلة أرض يأمره بتحريك عرق تلك الأرض، وزعمت الفلاسفة أن الزلزلة باجتماع بخار واحتباسه فى بطن الأرض وغلظه، مع انتفاء منفذ فقد يكون منه خسف، وأصوات ونار لشدة اشتعال البخار، وإن صح فالله جامعه ومخرجه ومزلزل به إذا شاء، ويناسبه شدة الزلزلة وكثرتها فى الأرض الصلبة بالنسبة الى الرخوة، ويدل على إرادة نفخة الفزع وجود المرضعة والحامل لقوله تعالى:
{ يَوْم تَروْنها تذْهَل كلُّ مرضعةٍ عما أرضعت وتَضع كُل ذات حَمْلِ حَمْلها } فان كان المراد نفخة البعث كما قال الجمهور فالمراد بذهول المرضعات، ووضع الحوامل الكناية عن شدة الهول لا حقيقة الإرضاع والوضع، وهو وجه حسن، مع أن نفخة الفزع ليست نفس ما يوعدون، ولا دلالة فيها على البعث.
الجواب: أنا ولو لم تدل على البعث بذاتها لكنها علامة على تحقيق البعث، وقربه، وقد أخبر النبى صلى الله عليه وسلم أنها من أشراط الساعة المنذرين هم بها الموعود بالبعث بعدها كان صلى الله عليه وسلم فى غزوة بنى المصطلق، فنزلت عليه: "يا أيها الناس اتقوا ربكم" الآيتين، فقال صلى الله عليه وسلم:
" أتدرون أى يوم ذلك؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال ذلك يوم يقول الله لآدم عليه السلام قم ابعث بعث النار، قال: يا رب وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون الى النار وواحد الى الجنة" فأنشأ المسلمون يبكون فقال صلى الله عليه وسلم: " قاربوا وسددوا وأبشروا فإنه لم تكن نبوة قط إلاَّ كان بين يديها جاهلين وما مثلكم فى الأمم إلاَّ كمثل الرقمة فى ذراع الدابة أو كالشامة فى جنب البعير وإنى لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة" وهذا نص فى أن زلزلة الساعة بعد البعث، ويوم متعلق بتذهل، قدم على طريق الاهتمام، ولا حاجة الى تعليقه بعظيم أو إبداله من الساعة وبناءه جوازا للاضافة الى الجملة، ولا الى تقدير اذكر، وهاء من ترونها للزلزلة، لأنها المحدث عنها، وهى المشاهدة، وقيل للساعة والمرضعة وذات حمل شامل للنساء وسائر إناث الحيوان، وما واقع على من لا يعلم ومن يعلم تكون الأنثى مملقمة ثديها للرضيع، فتذهل عنه، ولا يتعلق قلبها به مع سقوطه عنها، وكأنه غير ولدها، أو كأنه حجر أو ما مصدرية، والمرضعة والحائض بالتاء من فى حال الأرضاع والحيض، وأما بلا تاء فمن لها من ترضع ومن بلغت سن الحيض، ولم يقل وتضع كل ذات حمل ما حملت، لأن الحمل بفتح الحاء الجنين، وما حملت الظهر وغيره، وإطلاق الحمل بالفتح على ثمر الشجرة، ولو كان حقيقا لكن لا يتبادر شمول الآية له، والرؤية فى الموضعين بصرية، وقيل تبعث الحامل حاملا، والمرضعة مرضعة بحالها، وكل أحد يحشر بحاله فتلد الحامل بعد البعث، وتذهل، والمرضعة عما ولدت.
{ وترى النَّاس سُكارى وما هم بسكارى } ترى من يصلح للرؤية وهذا عموم أولى من جعل الخطاب للنبى صلى الله عليه وسلم، لأنه أبلغ فى التهويل، ولم يقل وتصير الناس سكارى للايذان بكمال ظهور تلك الحال، حتى لا تكاد تخفى عن كل مبصر، والمراد ترى حال الناس كحال السكارى، لكنهم ليسوا سكارى، وما هم بسكارى، وحال مؤكدة أو ترى بمعنى تظن، وأزال الظن بقوله: { وما هم } فلا تأكيد.
{ ولكنَّ عذاب الله شَديدٌ } بمتعلق بقوله: { وما هم بسكارى } أى لكن شدة العذاب صيرتهم كالسكارى، أو صيرتهم بحال تظنهم سكارى معها، ويبعد الاستدراك على محذوف ما ذكر من الذهول والوضع، ورؤية الناس هين، ولكن عذاب الله شديد وهو عذاب النار والمحشر، بخلاف ما ذكرت، فان العذاب فيه هو نفس ما به الذهول والوضع والسكر.