التفاسير

< >
عرض

وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ
٢١
كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ
٢٢
إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ
٢٣
-الحج

تيسير التفسير

{ ولَهُم مَقامعُ مِنْ حَديدٍ } المفرد مقمعة، أو مقمع، وهو آلة الضرب أعلاها غليظ، وهى آلة القمع أى الردع، وفسرت بالمطارق بالسياط، قال صلى الله عليه وسلم: " لو وضع مقمع منها فى الأرض لم يقدر الثقلان على رفعه" وهو فى يد الملك كالريشة { كلما أرادوا أنْ يخْرجُوا منها } ترفعهم بلهبها حتى يقربُوا من موضع الخروج منها، فيريدون الخروج، وهذا أولى من حمل الإرادة على القرب { مِنْ غمٍّ }. أى للغم العظيم، كما يفيده التنكير متعلق بأرادوا أو بيخرجوا، ومن الأولى للابتداء، وإن جعلنا من غم بدل اشتمال من الضمير فى منها، أى من غمها أو غم فيها، كان من فيه أيضا للبتداء، والغم الهم، وأجيز أن يكون التغطية، يقال غمه، أى غطاه أى من تغطيتها. { أعيدوا فيها }، أى فى قعرها بالمقامع، فيهوى فيها سبعين خريفا ولم يخرجوا منها لآنه لا خروج منها، وزعم بعض أنهم يخرجون ويعادون فيها، ولا دليل له، والنص على أن لا يخرجوا وقيل أبقوا والله عز وعلا قال: { كلما أرادو أن يخرجوا } ولم يقل كلما خرجوا، ولا دليل على تقدير كلما أرادوا أن يخرجوا فخرجوا، ولا أنه عبر عن الخروج بإرادته وهو سببه، وأما قوله: { أعيدوا فيها } فمعناه أعيدو فى قعرها، وزعم بعض أن الخروج من أمكانهم فيها، وزعم بعض أن الضمير فى منها للثياب، وكذا فى فيها.
{ وذوقُوا } أى وقيل لهم ذوقوا { عَذابَ الحريق * إنَّ الله يُدخْل الَّذين آمنُوا وعمَلوا الصَّالحات جناتٍ تَجْرى مِنْ تَحـتِها الأنْهارُ يحلُّونَ فيها من أساوِرَ مِنْ ذَهبٍ ولُؤْلواً } يحليهم الله بواسطة الملائكة أو بدون واسطة، بأن يطير إليهم ذلك بإذن الله سبحانه، أو تحليهم الملائكة بأمر الله عز وجل، ومن أساور نعت لمفعول ثان محذوف أى يحلون فيها حليا ثابتاً من أساور، أو شيئا ثابتا من أساور، أو أساور ثابتة من أساور من ذهب، أو مفعول به ثانٍ مضاف لأساور، أو أساور مفعول ثان، ومن صلة فى الإثبات فى قول، ومن ذهب نعت لأساور أى ثابتة من ذهب أو متعلق بنعت هو كون خاصة، أى مصنوعة من ذهب، ولؤلؤاً معطوف على المفعول الثانى، الأوجه كلها، وإن جعلنا من للبتداء لا للتبعيض، وعدينا يحلى لواحد قدرنا يعطون لؤلؤاً.
{ ولباسُهُم فيها حريرٌ } خلقة من الله لا حرير دود، ومعلوم أنه لا بد من اللباس لا كالحلى، ولا ندرى مم هو، فقال عز وجل: إنه حرير، وهذا لكون الكلام جملة اسمية أدل على الثبوت، ولذلك وللفاصلة جىء بالاسمية بعد الفعلية، ولم يقل يلبسون من حرير مع أنه يصح أن يكون يلبسون من حرير جوابا لقولك مم يلبسون، وذلك عام لأهل الجنة.
وروى ابن حيان والنسائى، عن أى سعيد، عنه صلى الله عليه وسلم:
" من لبس الحرير فى الدنيا لم يلبسه فى الآخرة وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه" ولعل قوله: وإن دخل الجنة الخ زيادة من راوٍ باطلة، ويدل هذا رواية البخارى ومسلم، عن ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " "من لبس الحرير فى الدنيا لم يلبسه فى الآخرة" بمعنى أنه ليس من أهل الجنة هكذا كنت أقول، حتى رأيت البهيقى قال عن ابن الزبير عنه صلى الله عليه وسلم: " من لبس الحرير فى الدنيا لم يلبسه فى الآخرة ولم يدخل الجنة" وذلك أن لبسه من الكبائر فلا يحسن التأويل بأنه لا يدخلها مع السابقين، مع أن التأويل بلا مرجح له غير مقبول، وعلى صحة الزيادة، وعدم ثبوت رواية البهيقى، لا يكون ذلك إلا للتائب، وعدم لبسه لقصور درجته عن درجة من لم يلبسه كسائر تفاوت الدرجات بتفاوت الأعمال، وذكر بعض أن من استحل الحرير بالتأويل يلبسه فى الجنة.