التفاسير

< >
عرض

لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ
٥٣
-الحج

تيسير التفسير

{ ليجْعَل ما يُلقى الشيطانُ } أى ما يلقيه أو إلقاءه، والإظهار لما مر لا يتعلق بألقى معنى سلط الله الشيطان بالإلقاء، لعطف ليعلم عليه، مع أن لإلقاء لا يصح علة له، بل يتعلق بيحكم أو ينسخ يصح تعلقه بألقى، ويقدر ليعلم متعلق أى وفعل النسخ والأحكام ليعلم الذين الآية { فِتْنةً } ابتلاء بالخذلان { للِّذين فى قلوبهم مرض } المشركين المضمرين الشرك فى قلوبهم، المظهرين التوحيد بألسنتهم، كما قال فى آية أخرى: " { فى قلوبهم مرض } "[البقرة: 10]. { والقاسية قلُوبُهم } المظهرين الشرك كأبى جهل وعتبة، وشهر فى أحاديث كثيرة أنه قرأ صلى الله عليه وسلم: " { أفرأيتم اللاتَ والعزى* ومناةَ الثالثةَ الأخرى } " [النجم: 19 - 20] قرأ الشيطان محاكياً لصوته: تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهن لترجى، ويروى: ان شفاعتهن لترتجى، وإنها لمع الغرانيق العلا، ويروى قرأ ذلك ناعساً وما فى قلبه شىء من ذلك، ورضى عنه المشركون وسجدوا حينئذ إذ سجد، وانتبه لذلك أو نبهه جبريل عليه السلام. فأخبرهم بأنه لم ينطق هو ذلك، أو أم يقصد ذلك، وضعف البيهقى وعياض ذلك الحديث، وذلك إما أن يتكلم به النبى صلى الله عليه وسلم وعلى آله عمداً، وهذا لا يجوز لأنه إشراك، وإنما بعثه الله عز وجل لإبطال الشرك والطعن فى الأصنام لا لمدحها، وأما أن يجرى الشيطان ذلك على لسانه صلى الله عليه وسلم إجباراً بحيث لا يقدر أن يمتنع، وهذا باطل، لأنه لا قدرة للشيطان على ذلك فى حق غيره، وكيف فى حقه صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل: " { إنَّ عِبادِى لَيس لَك عليهم سلطان } "[الحجر: 42، الإسراء: 65] وأما أن يجرى ذلك على لسانه فى غفلة أو نوم، وذلك لا يجوز، لأنه يؤدى الى عدم الأعتماد على ما يقول، وقد قال الله عز وجل: " { لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه } " [فصلت: 42] وقال سبحانه وتعالى: " { إنَّا نحن نزَّلنا الذكر وإنا له لحافِظُون } " [الحجر: 9] فلما بطلت هذه الوجوه بقى أن يقال: إنه لما تمت قراءته صلى الله عليه سلم عند قوله: " { ومناة الثالثة الأخرى } " [النجم: 20] قال الشيطان عقبه محاكياً لصوته تلك الغرانيق الخ، سمعوا صوته، وقد سمع الناس فى مواضع كما قال يوم أحد: إن محمداً قد قتل، ويوم بدر لا غالب لكم اليوم الخ وسمعوه.
{ وإنَّ الظالمين } هم القاسية قلوبهم، والذين فى قلوبهم مرض وأظهر ليصفهم بالظلم { لفى شقاق } خلاف وعناد { بَعيدٍ } شديد.