التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَآءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِّقَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ
٤٤
-المؤمنون

تيسير التفسير

{ ثم أرسلنا رُسُلنا } ثم للترتيب الذكرى بلا تراخ، لا لترتيب الحكم، وإلا فليس الرسل متأخرين عن الأمم كلها، والحاصل: أنشأنا من بعدهم قروناً آخرين، قد أرسلنا إلى كل قرن منهم رسولاً خاصا به، ولفظ أرسلنا رسلنا كتحصيل الحاصل.
الجواب: أن المعنى أرسلنا فى الخارج من سبق فى علمنا، أنا سنرسله، أو أرسلنا من تأهل لأن يكون رسولا أو من أردنا إرساله { تترا } اسم مصدر هو التواتر بمعنى التتابع، مع الفصل القليل وقيل: الفصل مطلقا، والتاء الأولى عن واو كتراث وتجاه، وهو مفعول مطلق على حذف مضاف، أى ارسال متواترة، أو ضمن أرسلنا معنى وأَترنا، أو حال من رسل على حذفه أيضاً أى ذوى تواتر، أو بمعنى الوصف، أى متواترين وألفه للتأنيث أو الإلحاق.
{ كلَّ ما جاء أمةً رَسُولها كذَّبوه } كل ظرف لإضافته الى المصدر الذى بمعنى الزمان، لأن ما مصدرية أى كل جىء أمة رسولها كذبوه، وهو متعلق بكذبوه، كما تقول جاء زيد كل طلوع وكل غروب، والمجىء التبليغ أو الملاقاة بالوحى، ولا يتوهم أحد أن كل رسول جاء الأمم كلها للعلم وللنص، على أنهم يموتون، فضلا عن أن يقال: أضيف رسول للأمة إزالة لذلك الوهم، بل أضيف إليها لا الى ضمير الجلالة، ليقبح أحوال من جاءه رسول خاص به تعين له.
{ فأتْبعنا بعضهم بعضاً } فى الإهلاك، وذلك فى الجملة لأنه ليس كل أمة قد كذبت، فاهلكت، بل من كان كذلك كقوم نوح، أورد الضمير الى الكل بمعنى من أهلك فقط { وجَعَلناهم } جعلنا أخبارهم { أحاديث } جمع أحدوثة، كأعجوبة بمعنى الحديث الذى يذكر تعجبا به، أو تلهيا، وقيل: اسم جمع لحديث كقطيع وأقاطيع، وخصه الأخفش بالشر { فبعداً لقوم لا يؤمنون } هو مثل ما مرَّ ولم يذكرهم بالظلم، لأنه لم يذكر غلوهم كما ذكر غلو من تقدم، فوصفهم بالظلم.