التفاسير

< >
عرض

بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَـٰذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ
٦٣
حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِٱلْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ
٦٤
لاَ تَجْأَرُواْ ٱلْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ
٦٥
قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ
٦٦
-المؤمنون

تيسير التفسير

{ بل قلوبهم فى غمرةٍ من هذا } إضراب لانتقال الكلام ورجوعه الى الكفرة بأنهم فى جهالة من هذا الذى ذكرنا من أن أعمالهم مكتوبة عندنا ليعاقبوا عليها، أو من هذا القرآن، وقيل الاشارة الى ما عليه أولئك السابقون، وقيل إلى الدين وقيل الى النبى صلى الله عليه وسلم والأول أولى { ولهم أعمال } سيئة كثيرة { من دون ذلك } غير ذلك المذكور من كون قلوبهم فى غفلة وصفها بقوله: { هم لها عاملونَ } وهى أنواع كفرهم ومعاصيهم، ومنه الطعن فى القرآن كذا قيل، وفيه أنه لا يتبادر أن الغمرة عمل أو دون بمعنى تحت ذلك، وهى المعاصى التى ليست بإشراك، وهذا اولى، ويبعد ما قيل: إن الآية فى المؤمنين المذكورين تحيروا، هل تقبل أعمالهم؟ وهل أدوا الفرائض ولهم أعمال طاعة أخرى نفل؟ ويرده قوله:
{ حتَّى إذا أخَذنا متْرفيهم بالعَذاب } فإن المعنى أنهم لا يزالون على تلك الأعمال، حتى ينزل عذابهم، وذلك فى الكفار، ومعنى عاملون مستمرون على حملها، ولام لها لتقوية اسم الفاعل، وقدم لها للفاصلة، وبطريق الاهتمام بذكر قبائحهم، وحتى حرف ابتداء لا تخلو من غاية، وهى تدخل على الجمل كما دخلت هنا على جملة أداة الشرط، وما بعد من شرط، وجواب مقرون بإذا الفجاءة وهما قوله:
{ إذا هم يجْئَرون } والمترفون المنعمون، والجار الصراخ جزعا، والعذاب قتلهم فى بدر، وأسرهم، صرخوا عند القتل وعند الأسر، أو ذلك فى المجموع المترفون، قتلوا والباقون جأروا على قتلى بدر شهراً فى مكة وجزت نساءهم شعورهن، ويأتين بفرس القتيل أو راحلته، ويسترنها بالستور، وينحن حولها، ويخرجن بها الى الأزقة، ثم تركوا خوف الشماتة او العذاب الجوع، فإذا جاع المترف فغيره أولى بالجوع، قال صلى الله عليه وسلم:
"اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها عليهم سنيناً كسنين يوسف" فأجاب الله دعاءه، حتى أكلوا الجلود والجيف، والعظام والدم، والشعر المختلطين، وذلك قبل الهجرة على الصحيح، وقيل بعدها، وجمع بأنه وقع مرتين.
وروى أنهم سألوه صلى الله عليه وسلم، فدعا فزال بعد سبع سنين، وقيل المراد عذاب الآخرة، ورجح بأنه الذى يتضرعون فيه الى الله عز وجل، فلا يقبل، ولعل هذا أصح لقوله تعالى:
{ لا تجْئروا اليَوْم } الى قوله:
" { تهجرون } "[المؤمنون: 67] فإن هذا مقول لهم فى الآخرة، وأما يوم بدر فلم يتضرعوا، وأما الجوع فلم يجبهم صلى الله عليه وسلم بالرد فيه، وهذا على أن الجؤار صياح بتضرع لا مطلق صياح، وذكر اليوم مبالغة فى أن جآرهم لا ينفعهم، وزيادة فى الاقناط، والجملة مفعول لقول محذوف على لسان الحال كقوله:

امتلأ الحوض وقال قطنى مهلا رويداً ملأت بطنى

أو كلام يرسل الله به ملكاً أو يخلقه الله حيث شاء، فيسمعونه كما قال: " { اخسئوا فيها } "[المؤمنون: 108] الخ { إنَّكم } لأنكم { منَّا } متعلق بتنصر من قوله: { لا تُنْصرون } لخروج لا النافية عن الصدر، لأنها لم تعمل عمل إن وللفاصلة وللتوسع فى الظروف ومن للابتداء، أى لا يأتكم نصر منّا ينجيكم مما أنتم فيه لتكذيبكم، كما قال:
{ قد كانَتْ آياتى تتلى عليْكُم } الخ أى لأنه قد كانت آياتى تتلى عليكم الخ، وهذا التعليل يمنع ان تكون من بمعنى عن، او تنصرون بمعنى تمنعون على معنى لا ينصركم عنا ناصر، او لا يمنعكم منا مانع، وكذا يمنعه أن الجوار ليس الى غيره فيمنعهم غيره المذكور كأصنامهم { فكنتم } لتلاوتها { على أعقابكم } مؤخرات الأرجل، وهو تأكيد فى المعنى لقوله: { تنْكصون } ترجعون، أى ترجعون الى وراء فى الطريق الأول، كقولهم: رجع عوده على بدئه، او النكوص مطلق الرجوع الى وراء، وهو استعارة تبعية للاعراض عن سماعها أشد الاعراض.