التفاسير

< >
عرض

حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ
٩٩
لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ
١٠٠
-المؤمنون

تيسير التفسير

{ حتى إذا جاء أحدهم الموتُ قال ربِّ ارجعُون * لعلِّى أعمل صالحاً فيما تركتُ } حالهم الاستمرار على متابعة الوساويس الى ان يموتوا فيقولوا: رب ارجعون الخ، فاستعذ يا محمد أن تكون كذلك، وهذا أولى من أن يكون من كلامه صلى الله عليه وسلم، هكذا فلا أكون كالكفار الذين تهمزهم الشياطين وتحضرهم، حتى إذ الخ، ويجوز تعليق هذا الكلام بقوله: " { يصفون } "[المؤمنون: 91] بمعنى يدومون على وصفه صلى الله عليه وسلم بما لا يليق، حتى إذا الخ، وما بينهما معترض لتأكيد الإغضاء الذى تضمنه ادفع بالتى الخ، ويبعد تعليقه بيصفون الأول، أو يشركون، أو لكاذبون لطول الفصل، وردوا واو الجمع الى الواحد سبحانه تعظيماً له حين لا ينفع كقوله: ألا فارحمون يا إله محمد وقوله:

* وإن شئت حرمت النساء سواكم *

بكسر تاء شئت لأنثى الواحدة عظمها حتى كأنها جماعة ذكوراً، والواو للملائكة أَى يا ملائكة ربِّ ارجعون، أَو رب استغاثة بالله، وارجعون خطاب للملائكة كقوله عز وجل: " { يوسف أعرض عن هذا واستغفرى لذنبك } " [يوسف: 29] ويدل له ما روته عائشة رضى الله عنها أنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المؤمن إذا عاين الملائكة قالوا له انرجعك إلى الدنيا؟ قال: الى دار الهموم والأحزان بل قدوماً الى ربى وأما الكافر فيقولون له: أنرجعك فيقول: رب ارجعون" ولا يختصر طلب الرجعة عند الموت بالمشرك، فعن ابن عباس: أن مانع الزكاة، وتارك الحج المستطيع يسألان الرجعة عند الموت، وعن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا حضر الإنسان الموت جمع له كل شىء يمنعه عن الحق فيجعل بين عينيه فعند ذلك يقول: رب ارجعون لعلى أعمل صالحاً فيما تركت" .
وهذا يدل على أن المراد بما تركت فى الآية المال ونحوه من الدنيا، وقيل الايمان والاولى التعميم فى كل واجب من فعل أو ترك، والترجى راجع لذلك، وقيل العمل فقط لتحقيق إيمانه إن رجع كقولك لعلى أقرأ على الصناعة، أى أتعلمها وأقرا بها، والمعنى اعمل صالحاً فى الايمان، أى او من فى الدنيا، وأعمل صالحا فى ذلك الايمان، قال الله عز وجل له:
{ كلاَّ إنَّها } أى هذه القولة، أو هذا الكلام، وعليه فالتأنيث لتأنيث الخبر { كَلمةٌ هو قائلُها } لا يتركها، ولا يتمنى غيرها، وإطلاق الكلمة على الكلام لغة حقيقة، وقيل مجاز مشهور { ومن ورائهم } أمامهم أو هو على ظاهره لأن البعث شىء لازم لهم يتبعهم { برزخٌ } حاجز يمنعهم عن الرجوع { إلى يوم يُبْعثون } زيادة إقناط من الرجوع، أى لا بد من البعث من هذه الموتة التي متم، الا أن بينهما برزخاً، ولا يتبادر أن المعنى حاجز بينهم وبين العذاب التام الذى هو أشد من عذاب القبور.