التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَٱجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ
٤
-النور

تيسير التفسير

{ والذين } منصوب على الاشتغال باجلدوا محذوفا، والفاء صلة، والاشتغال من باب التوكيد اللفظى، كأنه قيل: واجلدوا الذين { يرمون المحصنات } أى غير أزواجهم لقوله تعالى: " { والذين يرمون أزواجهم } " [النور: 6] الخ اجلدوهم ثمانين جلدة، والرمى مجاز استعارى عن الشتم تشبيها بالضرب بالحجر أو السهم، والمراد الرمى بالزنى كما يدل له ذكر المحصنات، وذكر الزنى قبل، وقوله: { ثم لم يأتُوا بأربعةِ شُهداء } فإنه يدل أنه لو أتو بأربعة شهداء لنجوا، وعوقبت بحد، والأربعة شرط فى الزنى لا غيره، والمراد بالمحصنات النساء المحصنات، ويلحق الرجال المحصنون بهن قياساً جلياً وبالحديث: "ولا يقدر الفروج المحصنات" لأنه لا يتبادر رمى الفروج، ولو قدرنا النفوس المحصنات لشملت الآية الرجال.
والإحصان العفة عن الزنى مع البلوغ والحرية، قيل والاسلام، وخص الذكور فى جانب الرامى، إذ قال: { الذين يرمون } والاناث فى جانب المرمى، إذ قال: { المحصنات } اعتبار للواقعة، لأن الآية نزلت فى امرأة عويمر، أو فى قصة الإفك، والرامى فيهما ذكر والمرمى انثى، والعفة تثبت بإقرار القاذف، أو شاهدين، أو شاهد وشاهدتين، وقيل: يحد قاذف الذمى، لقوله صلى الله عليه وسلم:
"من قذف ذمياً حد يوم القيامة بسياط من نار" .
{ فاجلدوهم ثمانين جلدةً } إن كانوا أحراراً، وإن كان القاذف عبداً أو أمة أربعين، والسوط ذو الرأسين تعد الضربة به ضربتين فى المائة، وفى الثمانين، وفى الأربعين، وغير ذلك، ولا يحد قاذف امرأة لها ولد لا يعرف له أب، ولا قاذف الأخرس ولا المجنون القاذف، ولا السكران، إلا إن سكر بمحرم، ولا المكره على القذف قيل: ولا القاذف، فى دار الحرب والحربى الداخل دار الإسلام، فقذف فيها أحدا، ولا حد فى التعريض بالقذف خلافاً لعمر وعلى، كقولك لرجل: ما أنا بزان، أو ما أمى زانية، تشير الى أنه زان أو امه زانية، وإن شهد أربعة فساق بصدق القاذف فى قذفه فلا حد عليه ولا عليهم، ولا على المقذوف، وإن حد القاذف فعاد الى كلامه الأول حد، وقيل: لا كما قيل: حد أبو بكرة قذفه المغيرة، وعاد الى ذلك القذف فى المجامع يقول فيها: المغيرة زان، فأراد عمر حده فمنعه على فامتنع.
{ ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً } مدة حياتهم مطلقاً، وقيل تقبل إن شهدوا قبل الشروع فى الجلد، أو قبل تمامه، وقيل تقبل قبل الشروع، وقيل ما لم يقم أكثره { وأولئك هم الفاسقون } الكاملون فى الفسق، حتى كأنه لا فاسق سواهم، وذلك لصيغة الحصر، وأشير بصيغته لبعدهم عن الحق، وفسقهم عند الله وعند الخلق، اما عند الله فلأنهم أتوا بما لا يعذرون فيه بدون أن يهيئوا من يصدقهم، ولو صدقوا فى الواقع، ولا سيما إن كذبوا، وأما عند الخلق فلعدم بيان لهم، ويحتمل أن المراد أن الحكم الشرعى إن تحكموا عليهم بالفسق لعدم الشهادة.