التفاسير

< >
عرض

أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ
٤٠
-النور

تيسير التفسير

{ أو كظلمات } أو لتقسيم أعمالهم أو للتنويع أو للتخيير، وجه التقسيم أن حسناتهم بعضه كسراب، وهو ما كان طاعة لا تنفعهم لشركهن، وكذا لا ينفعهم ما ليس طاعة، وبعضها كظلمات وهو المعصية التى تقربوا بها الى الله عز وجل، أو أعمالهم مطلقاً كالسراب فى الآخرة لعدم النفع، لقوله:{ ووجد الله }الخ، وكالظلمات فى الدنيا لخلوها من نور الحق لقوله: { ومن لم يجعل الله } الخ أو شبهها بالسراب فى الدنيا حال الموت، وبالظلمات فى القيامة، كما روى: "الظلم ظلمات" والتقسيم باعتبار الوقتين، ووجه التنويع أن بعضا كسراب، وبعضا كظلمات ولا عقاب على ما هو حسنة، ووجه التخيير على جوازه فى غير الطلب أنك إن شبهتها بالسراب أصبت، أو بالظلمات أصبت، نحو: زيد وعمر كلاهما محتاج، تكريم زيداً أو تكريم عمراً.
{ فى بحر لجىّ } ذى لج، واللج معظم ماء البحر، وكذا اللجة، والأول أولى، لأن الأصل عدم الحذف، ولو اتحد المعنى وفى النسب الى اللجة حذف التاء، ولو كان قياسياً شهيراً { يغشاه موجٌ } يغشى هذا البحر جزء منه متحرك، فالمغشى أكثر البحر، والغاشى بعضه وهو الموج { من فوْقِه } فوق الموج { مَوجٌ } آخر مبتدأ أو خبر، والجملة نعت موج او من فوقه نعت، وموج فاعل لقوله: "من فوقه" والمراد تعدد الأمواج، ويجوز أن يكون الموج بالمعنى المصدرى فالمغشى كل البحر { من فَوقه } أى فوق هذا الموج الثانى { سَحابٌ } ساتر لضوء النجوم والقمر، كأنها بلغت السحاب.
{ ظلماتٌ } هى ظلمات، أو ذلك ظلمات { بعضها فوق بعضٍ } كقوله تعالى:
" { نور على نُور } " [النور: 35] { إذا أخْرج يَده } من ثيابه أو من حيث هى الى جهة السماء قرب عينيه { لَم يَكَد يراهَا } لم يقرب أن يراها، فضلاً عن أن يراها فليس يكاد زائدة وجملة، إذا وشرطها وجوابها نعت ظلمات، وإنما الممنوع أن يكون خبرا أو حالا او صلة أو نعتا أداة الشرط، والشرط أو كلاهما مع الجواب الذى هو أمر او نهى، أونحوهما، والرابط محذوف، أى إذا أخرج فيها يده، ونفى كاد نفى، وإثباتها إثبات، والنفى فى الماضى لا يوجب الاثبات فى المستقبل، وكذا العكس، وإذا استعمل لم يكد يكون مع أنه كان، فمعناه أنه وقع بعد ما بعد من الوقوع، وذلك إن كان دليل الوقوع ولو قيل هنا: المراد لم يرها الا بعد امتناع شديد لقيل أى دليل على ذلك، وشرط الرؤية أن يكون الرائى فى ضوء أو يكون مرئية مضيئا ككوكب، وكنار فى بعيد وأنت فى ظلمة، وأما عدم رؤية النجوم نهاراً فلذهاب ضوئها بضوء الشمس عنا، ولو كانت نهاراً على حالها ليلا.
{ ومَن لَم يجْعَل الله له نُوراً } هدى { فماله منْ نُور } هدى من أحد له، أو من لم يكن له هدى فى الدنيا، فهو يوم القيامة فى ظلمه، أو من لم ينوره الله يوم القيامة بعفوه لتوفيقه فى الدنيا، فلا نور له يوم القيامة، أى لا رحمة له.