التفاسير

< >
عرض

بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ سَعِيراً
١١
إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً
١٢
-الفرقان

تيسير التفسير

{ بل كذَّبوا بالسَّاعة } اضراب انتقال كلام الى ذكرهم، بما لا يبالون معه بضلال ما، وهو التكذيب بالساعة التى يعاقبون فيها، وهى يوم القيامة، فهم لا يخافون العقاب لانتفائها عندهم، أو الى انكار ما اتفق عليه الرسل، وهو البعث أو الى تكذيب الله عز وجل، ولو كان تكذيباً له صلى الله عليه وسلم، وذلك أن الله تعالى قال: "كذبنى عبدى ولم يكن له ذلك زعم أنى لا أقدر أن أعيده كما كان" وذلك من حديث طويل فى بخارى.
{ وأعتدنا لمن كذَّب بالساعة } الأصل وأعتدنا لمن كذَّب بها، وأظهر بالموصول ليذكر بصلته، وهى التكذيب موجب الاعتياد، ويكرر ذكرهم بالقبيح وبالساعة، ليزيد لها فخامة أو من كذب بها يعمهم وغيرهم، فيدخلون أولا وبالذات، فيكون كالحجة كأنه اعتدنا لمن كذّب بها، وأنتم مكذبون بها { سَعيراً } ناراً مسعورة، أى موقدة، كما يدل له مقام الوعيد، واللفظ الموضوع للايعاد، كامرأة كحيل أى مكحولة، ولا حاجة الى جعله علما لجهنم، أو لدركة منها، وأنه نون مع العلمية والتأنيث للفاصلة، وأنه إذا دخلت عليه أل، فللمح الأصل وهو وصف الايقاد، ولا الى أنه صرف لتأويله بمذكر، وهو المكان، لأن ذلك كله خلاف الأصل، واذا صح أنه صرف لتأويله بمذكر، وهو المكان، لأن ذلك كله خلاف الأصل، واذا صح انه فالمراد أنه اسم تعرف به نكر، أو عرف بأل، ونعت السعير بأدة الشرط، والشرط والجواب أولاً وثانياً بالعطف إذ قال:
{ إذا رأتهم } أدركتهم بتمييز يخلقه الله لها، أو يجعلها عاقلة كما يحتمله قوله عز وجل:
" { وتقول هل من مزيد } "[ق: 30] وحديث: "شكت النار إلى ربها فقالت: رب أكل بعضى بعضاً فأذن لها بنفس فى الصيف ونفس فى الشتاء" ويحتملان لسان الحال، وعنه صلى الله عليه وسلم: "من كذب علىّ متعمداً فليتبوأ مقعده بين عينى جهنم فقيل: يا رسول الله هل لها عين؟ قال: أما سمعتم قوله: إذا رأتهم من مكان بعيد وهل تراهم إلا بعينين" ويجوز تأويل الرؤية بالمقابلة.
{ من مكانٍ بعيدٍ } مسافة خمسمائة عام، أو مائة عام، أو عام روايات { سمعُوا لها } منها متعلق بسمعوا وإن أبقى على ظاهره كان حالا من قوله: { تغيظاً وزَفيراً } الزفير يسمع بخلاف التغيظ فيقدر مضاف، أى صوت تغيظ، أو يقدر سمعوا لها، وأدركوا فيصرف سمعوا الى زفير، أو ادركوا الى تغيظاً كقوله: علفتها تبناً وماءً بارداً، أو المراد بالزفير صوت لهيها، أو يقدر سمعوا لزبانيتها تغيظاً وزفيراً، وشبه صوت لهبها بصوت المغتاظ، وزفيره أو ذلك استعارة تمثيلية، والتغيظ إظهار الغيظ، والزفير اخراج النفس بصوت بعد مدة وترديده فى داخل، قال صلى الله عليه وسلم:
"إن جهنم لتزفر زفرة لا يبقى معها ملك مقرب، ولا نبى مرسل إلاَّ رعد فرائصه، حتى أن إبراهيم ليجثو على ركبتيه ويقول: يا رب لا أسألك اليوم إلاَّ نفسى" .
ويروى يستحضرها الملائكة بسبعين ألف زمام، واذا كانت بمسافة مائة عام فتطير لها قلوب الخلائق، ثم تزفر فلا يبقى ملك ولا نبى إلا جثا، ثم تزفر فتبلغ القلوب الحناجر، ويقول: ابراهيم: بخلتى لا أسألك إلا نفسى، وموسى بمناجاتى، لا أسألك إلا نفسى، وعيسى بما أكرمتنى لا أسألك إلا نفسى، ومحمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أمتى أمتى لا أسألك اليوم، نفسى، فيقول الله عز وجل: "لا خوف على أوليائه من أمتك، ولا حزن فوعزتى لأقرنَّ عينك" .