التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي ٱلأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً
٢٠
-الفرقان

تيسير التفسير

{ وما أرسلنا قبلك من المُرسلين } نعت لمفعول أرسلنا محذوفاً أى أحداً من المرسلين، فالجمع بعد لعموم أحد بتقدم النفى، ومن أجاز زيادة من مع المعرفة أجاز أن تكون من صلة، والمرسلين مفعولاً به { إلاَّ أنَّهم ليأكلون الطعامَ ويمشون فى الأسواق } الجملة حال من أحد المقدر ولو نكرة، لتقدم النفى او من المرسلين على أنه المفعول به كقولك: جاء زيد سيفه على عاتقه، وما جاء زيد إلا هو فرج، ولا تلزم الواو فى جملة الحال الاسمية، كما قيل: وهى وتركها سواء، والآية تسلية له صلى الله عليه وسلم، واحتاج بأنه كالرسل قبله فى الأكل، ودخول الأسواق، وسلاه أيضاً بقوله: { وجَعَلنا بعْضكم لبعض فتنةً أتصبرون } فاصبر على قولهم، لولا انزل اليه ملك أو يلقى الخ، وقولهم مال هذا الرسل الخ، والمراد أتصبرون على قول السوء كما قالوا لك، ويصبر فقيركم على فخر غنيكم، وعلى منع عطائه وسلاه أيضاً بقوله:
{ وكان ربُّك بَصيراً } بأقوالهم وأفعالهم واعتقادهم، فيعاقبهم، وبالصواب فيما يأمركم وينهاكم، فلا تخالفوه، والخطاب فى بعضكم وتصبرون للنبى صلى الله عليه وسلم وأمته، وإنما لم تعم الأمم السالفة أيضاً لبعد ان يخاطبوا فى هذا الكتاب، وقد انقرضوا، والرسول فتنة لكفار قريش إذ قالوا: كيف يعلو محمد علينا، ومن أسلم من الفقراء، ومن يعد ضعيفاً فتنة للأقوياء والأغنياء، كما قال أبو جهل، والوليد بن المغيرة، والعاصى بن وائل من بنى سهم، والوليد بن عقبة ونحوهم: لو أسلمنا ترفع علينا عمار وصهيب وبلال وابن مسعود عامر بن فهيرة لتقدم اسلامهم.
وقد قيل: الآية فى ذلك، والصحيح فتنة للمريض والغنى للفقير والعالم للجاهل، والشريف للوضيع، وصح عكس ذلك كقصة نحو عمار مع أبى جهل، ومن ذلك إمهال الكفار فتنة للمؤمنين، قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه بالمال والجسم، فلينظر الى من هو دونه فى المال والجسم" رواه البخارى وفى مسلم "انظروا الى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا الى من هو فوقكم، فهو أجدر ان لا تزدروا نعمة الله عليكم" ، قال بعض: أى وجعلناك فتنة لهم، لأنك لو كنت غنياً صاحب كنوز وجنان، لكانت طاعتهم لك للدنيا، أو ممزوجة بالدنيا، فانما بعثناك فقيراً لتكون طاعة من يطعك خالصة لنا، وجملة أتصبرون مفعول المحذوف، أى قائلين أتصبرون أم لا، أو لنعلم أتصبرون أى ليظهر خارجاً صبركم أو عدمه أو مستأنفة بمعنى الأمر، أى اصبروا.