التفاسير

< >
عرض

وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً
٦٣
وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً
٦٤
-الفرقان

تيسير التفسير

{ وعِبادُ الرَّحْمن } الذين أخلصوا العبودية والعبادة لله، الذين هم أحق بهذا الاسم وإن يشرفوا به، وأضافهم للرحمن تفضيلا لهم، وهو مبتدأ خبره هو قوله: { الَّذين } أو قوله: " { أولئك يجْزَون الغُرْفة } "[الفرقان: 75] فيكون الذين نعتا { يمْشون على الأرْض هوناً } مشى هون، أو ذوى هون لين، لا يضربون الأرض بأرجلهم، أو نعلاً بنعل كما يفعل التبختر، ولا يسرعون وذلك سجيتهم، أو زادوا فيها للتواضع لله لا رياء ولا تبختراً ولا خداعاً، وذلك مستتبع للرفق فى أفعالهم وأقوالهم، والعدل فيها وهو المراد لا خصوص ذلك المشى، وذلك اولى من أن يفسر بأنه كناية عن الرفق والعدل المذكورين.
رأى عمر رضى الله عنه غلاماً يتبختر فقال: هذه المشية تكره إلا فى سبيل الله سبحانه وتعالى، وقد مدح الله تعالى أقواماً بقوله سبحانه: { وعباد الرحمن الَّذين يمشون على الأرض هوناً } فاقصد فى مشيتك، يعنى مدحهم بتلك المشية المبنية على القوى، كما مر، وقد قيل: أن عباد هنا جمع عابد كصاحب وصحاب، وراجل ورجال، كما قرئ: وعباد بضم العين وشد الباء، قال أبو هريرة، وابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"سرعة المشى تذهب بهاء المؤمن" .
{ وإذا خاطَبَهم الجاهلون } السفهاء { قالُوا سلاماً } سلمنا سلاماً، أى تركنا ما تمسكتم به لإنعاملكم به، وذلك قول لسان حال إذ خاطبوهم بسوء، وسكتوا عن جوابهم، وهو أولى من أن يفسر بالنطق، لأنه قد يكون سبباً للجرأة، روى أن ابراهيم بن المهدى رأى علياً فى نومه، يريد أن يعبر قنطرة فقال له: إنما تدعى هذا الأمر بامرأة ونحن أحق به منك، وذكر ذلك للمأمون وقال: ما رأيت له بلاغة فى الجواب، فقال له المأمون: بم أجابك؟ فقال قال: سلاماً سلاماً، فقال: يا عم لقد أجابك بأبلغ جواب، إذ جعلك جاهلاً وأجابك بما أمر الله به، وقرأ المأمون الآية، فذل ابراهيم، وكان منحرفاً عن على، وكان الحسن اذا قرأ ما مر قال: هذا وصف نهارهم، وإذا قرأ قوله تعالى:
{ والذين يبيتون } الخ قال هذا وصف ليلهم، والبيتوتة أن يدركك الليل نمت أو لم تنم { لربهم سُجَّداً وقِياماً } جمع قائم وقدم لربهم وسجداً للفاصلة، والسجود لأنه أقرب ما يكون العبد من ربه، ولكن المتكبرين أبوا منه مدحهم الله بقيام الليل كله أو نصفه، أو دونه، وقيل من قرأ شيئاً من القرآن فى الصلاة فى الليل فقد بات ساجداً وقائماً، وقيل: المراد ركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وقيل: من شفع وأوتر بعد العشاء فقد دخل فى الآية.