التفاسير

< >
عرض

وَقَالُواْ مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ لَوْلاۤ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً
٧
أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ ٱلظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً
٨
-الفرقان

تيسير التفسير

{ وقالُوا مال هذا الرّسول يأكُل الطعام } الخ يأكل كما نأكل، ويدخل السوق لشأنه كما ندخلها، والنبى لا يأكل ولا يدخلها، هذا جهل منهم، ويحتمل الكنايةعن أن الرسول ملك لا يأكل، ويدخل السوق للكسب، وأنت تدخلها وتأكل، فلست رسولاً.
بعث نبيه ومنبه ابنا الحجاج والعاصى بن وائل، وأمية بن خلف، وعبد الله بن أبى أمية، وأبو جهل بن هشام، والوليد بن المغيرة، وزمعة ابن الأسود، والأسود بن المطلب، وأبو البحترى، والنضر بن الحارث، وأبو سفيان بن حرب، وعتبة وشيبة أبنا ربيعة، الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءهم فقالوا: إن طلبت مالا بهذا الحديث جمعناه لك، أو شرفا سوَّدناك، أو ملكاً ملَّكناك، أو سحرت أو تبعك جنى داويناك.
فقال صلى الله عليه وسلم:
"لا أطلب شيئاً من ذلك، ولكن الله بعثنى إليكم رسولاً، وأنزل علىّ كتاباً، وأمرنى أن أكون لكم بشيراً ونذيراً، فبلغت رسالة ربِّى، ونصحت لكم، فإن قبلتم فهو حظكم دنْيا وأخرى، وإلاَّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله عز وجل بينى وبينكم" .
قالوا: فسل ربك أن يبعث معك ملكاً يصدقك، وأن يجعل لك جناناً وقصوراً من ذهب وفضة، فلا تلتمس المعاش بالأسواق وغيرها كما نراك.
فقال:
"لا أساله ذلك إذ لم يأمرنى به" واللام فى الخط مفصولة فى الامام، وهى حرف جر، وتتبعت خط القرآن فوجدت فيه تنبيهاً فى مواضع على الأصل المهجور، ولام الجر كلمة على حدة أصلها أن تكتب مفصولة، وعنوا بالاشارة والاستفهام، والرسول التهكم ويأكل حال من الرسول، وناصبة ثبت، أو الرسول، وناصبة ثبت، أو الرسول لنيابته عنه.
{ ويمْشِى فى الأسْواق } لمعيشته، نقول: صدقهم الله فى انه يدخلها كما صدقوا فى أنه يأكل، فيجوز للأئمة والعلماء والصلحاء دخول الأسواق لحوائجهم، فان رأو منكراً غيروه، وأمروا بالمعروف، فان خافوا المداراة فى البيع والشراء فلا يلوهما { لَوْلا أنْزِلَ اليه مَلكٌ فيكونَ مَعه نَذِيراً } تحضيض بحسب اللفظ للملك، أن ينزل الله وله صلى الله عليه وسلم بحسب المعنى أن يجتهد فى طلب نزول ملك اليه، وكذا فى قوله:
{ أو يلقى اليه كَنزٌ أو تكونُ له جَنَّة } بستان { يأكل منها } تحضيض لله عز وجل، أن يلقى اليه كَنزاً تعالى عن أن يحضضه غيره، وعن هذه العبارة وتحضيض للجنة أن تكون له، وفى المعنى تحضيض له صلى الله عليه وسلم أن يسعى فى طلب أن يلقى الله اليه كنزاً أو يعطى له جَنَّة ليستغنى عن دخول الأسواق، والمراد بيلقى اليه يخرج اليه، وعبر به لمناسبة أنزل، لأن الكنز فى الأرض، ويجوز أن يراد بالكنز مال أخفاه الله فى السماء له، أو فى الجو، أو حيث شاء الله من العلويات، وكان بالمضارع، وكذا كون الجنة للتكرير، أى يلقى اليه كنز بعد كنز ما دام حيا، وتكون له جنة بعد أخرى على طول السنة، كلما فنيت ثمار جنة كانت له أخرى، تشتمل على الثمار فى كل يوم، أو عبر بالماضى أولا لأنه تثبت رسالته بملك يلازمه، وتتم أولا به، ويستقبل المعاش بعد ذلك.
{ وقال } للمؤمنين { الظَّالمون } الأصل وقالوا، فوضع الظاهر موضع المضمر ليصفهم بالظلم الذى هو أوخم سوء وأقبحه، إذ نسبوا الى الكذب من هو أبعد خلق الله عنه، وإذ نفوا الرسالة بمجرد دخول السوق والأكل، ويجوز أن يكون الظاهر على أصله على معنى، وقال الكاملون فى الظلم { إن تتَّبعون إلا رجُلاً مسْحوراً } فعل به ما اختل به عقله، فكان يدعى ما ليس له من الرسالة، أو أصيب سحره أى رئته، فاختل عقله كما يقال: ركبته بفتح الكاف أصبت ركبته، ورأسته أصبت رأسه من الاشتقاق من اسم العين، أو مغذى بالطعام والشراب أى مطعماً فهو يأكل ويشرب مثلنا.