التفاسير

< >
عرض

إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱنتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ
٢٢٧
-الشعراء

تيسير التفسير

{ إلاَّ الذين آمنُوا وعَملُوا الصالحات وذكَروا الله كَثيراً } يقولون الشعر فى التوحيد، ومدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويهجون المشركين، ولا بأس به فى المباح تعلماً لما نزل، والشعراء يتبعهم الغاوون، جاء ناس من الأنصار كعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك باكين، وقالوا: يا رسول الله نحن شعراء، فأنزل الله عز وجل: { إلا الذين آمنوا } إلخ، ولم يزل الموحدون ينظمون الشعر فى علوم الاسلام، ومدح الرسول، وذكر معجزاته وشأنه وفى ذلك، وفى ذم المشركين انتصار عليهم.
وقال لكعب بن مالك:
"إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، والذى نفسى بيده لكأنما ترمونهم به نضح النبل" واستمع لشعر حسان فقال: "لهذا أشد عليهم من وقع النبل" وسمع الشعر وأجاز عليه، وقال لحسان: "اهجهم وجبريل معك" وقال صلى الله عليه وسلم: "إن جبريل أعان حساناً على مدحى بسبعين بيتاً" روى انه صلى الله عليه وسلم دخل مكة فى عمرة القضاء، وبين يديه ابن رواحة يقول:

خلوا بنى الكفار عن سبيله اليوم نضربكم على تنزيله
ضرباً يزيل الهام عن مقيله ويذهل الخليل عن خليله

فقال عمر رضى الله عنه: يا ابن رواحة أتقول الشعر بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفى حرم الله تعالى؟ّ فقال صلى الله عليه وسلم: "دعه يا عمر فلهى أسرع فيهم من نضح النبل" وروى أن ذلك كعب بن مالك لا عبد الله بن رواحة، لأن عبد الله قتل يوم مؤتة، وعمرة القضاء بعد ذلك، والحق ان عمرة القضاء فى سنة سبع، ويوم مؤتة سنة ثمان، وكان صلى الله عليه وسلم يضع لحسان منبراً فى المسجد، يمدح رسول صلى صلى الله عليه وسلم ويقول شعراً، وكان يأمر حساناً وكعباً، وعبد الله بن رواحة بالشعر مدحاً للاسلام.
وعن ابن مسعود، عنه صلى الله عليه وسلم:
"إنَّ الله عز وجل يأمر شعراء المسلمين أنْ يقولوا شعراً يتغنى به الحور العين لأزواجهن فى الجنة" وشعراء المشركين يدعون فى النار بالويل والثبور، لما وجىء عمر رضى الله عنه قال له كعب، تموت لثلاث، فقال رضى الله عنه:

توعدنى كعب ثلاثاً يعدها ولا شك أن القول ما قاله كعب
وما بى خوف الموت إنى لميت ولكن خوف الذنب يتبعه الذنب

ولما مات صلى الله عليه وسلم قالت فاطمة رضى الله عنها وأرضاها:

ماذا على من شم تربة أحمد أن لا يشم مع الزمان غواليا
صبت على مصائب لو أنها صبت على الأيام صرن لياليا

وقال الحسن بن على:

نسود أعلاها وتأبى أصولها فليت الذى يسود منها هو الأصل

ومن شعر الشافعى:

ومتعب النفس مرتاح الى بلد والموت يطلبه فى ذلك البلد
وضاحك والمنايا فوق هامته لو كان يعلم غيباً مات من كمد
من كان لم يؤت علماً فى بقاء غد فلا يفكر لما يجىء بعد غد

وقال على:

ولما رأيت الخيل تزحم بالقنا نواص لها حمر النحور دوامى
وأعرض نفع فى السماء كأنه عجاجة دجن ملبس بقتام
ونادى ابن هند فى الكلاع وحمير وكندة فى لخم وحى جذام
تيممت همدان الذين هم هم إذا ناب دهر جنتى وسهامى
فجاوبنى من خيل همدان عصبة فوارس من همدان غير لئام
فخاضوا لظاها واستطاروا شرارها وكانوا لدى الهيجا كشرب مدام
فلو كنت بواباً على باب جنة لقلت لهمدان ادخلوا بسلام

وخطب ابنة سفيان بن عيبنة ابن أخيه فقال: كفؤ كريم، لكن هل تحفظ عشر آيات؟ قال: لا قال: فعشرة أحاديث؟ قال: لا، قال: فعشرة أبيات؟قال لا، قال ففيم أضع بنتى، لكن لا ترجع خائباً فاعطاه عشرة آلاف درهم.
{ وانتَصُروا } على المشركين بمدح الاسلام، وذم الكفر وأهله، والقتال { مِن بعْدما } مصدرية { ظُلمُوا } فى دينهم وأبدانهم وأعراضهم وأموالهم { وسَيعْلم الَّذين ظَلمُوا } رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة، بالهجو وغيره، أو ظلموا أشركوا، وتعميم ذلك أولى { أىَّ منقلبٍ ينْقلبُون } أى مفعول مطلق واقع على الانقلاب، ومنقلب مصدر ميمى، والعلم متعلق بالاستفهام، وغير هذا تخليط، وليست أى وصفاً، وهذه الآية يتواعظ بها السلف الصالح، قال الصديق رضى الله عنه فى مرض موته، لعثمان: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد به أبو بكر بن أبى قحافة عند آخر عهده بالدنيا، وأول عهده بالآخرة، فى الحال التى يؤمن فيها الكافر، ويتقى فيها الفاجر، ويصدق فيها الكاذب، أنى قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب، فان يعدل فذلك ظنى به، ورجائى فيه، وأن يجر ويبدل فلا علم لى بالغيب، والخير أردت، ولكل امرىء ما اكتسب، وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.