التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالاَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ
١٥
-النمل

تيسير التفسير

{ ولَقَد آتينا داودَ وسليمانَ عِلْماً } يليق بهما بعد النبوّة، كما لقيناك القرآن وهو علم الشريعة والقضاء، وصنعة لبوس، ومنطق الطير، والتنوين للتعظيم { وقالا } شكراً عى ما أوتيا { الحمْدُ لله الَّذى فضَّلنا على كَثيرٍ من عِباده المُؤمنينَ } كل واحد قال: الحمد لله الذى فضلنى الخ، وجعهمما فى قالا كقوله تعالى: " { يا أيها الرسل كلوا } "[المؤمنون: 51] الخ فانه قال لكل واحد فى زمانه يا أيها الرسول كان، والمراد بالمؤمنين الذين لم يعطوا ما أعطيا، ونفى قليل قد فضل عليهما.
وفى ذلك مقابلة الكثرة بالقلة، وفيه أن هذا لا يلزم، بل يفضل عليهما القليل أو بيساوياه احتمالان، ولا يجزم بان الكثير يقابله القليل فى مثل هذا المقام، بل يدل أن الأكثر يخالف القليل، وجزم بعض بأنه فضلا على كثير، وفضل عليهما كثير، وفيه أن العرف طرح التساوى، والذى أقول به إن المراد فضلا على كثير، وهذا الكثير مساو للباقى، او اكثر أو أقل، كما هو شان القانع المكتفى بمزيد ما، فشكراً على أنه لم يقصر تفضيلهما على قليل فقط، وفى الآية تفضيل العلم على المال، والملك والعبادات، إذ حمدا الله عليه، وفيها تحريض على أنه من علم شيئاً من علم الشريعة او آلاته، ان يحمد الله عليه، وأن يتواضع العالم، وأن يقبل الحق ممن جاء به.
وكان عمر رضى الله عنه يخطب على المنبر، وينهى عن المغالاة فى المهور، فقالت امرأة: { وآتيتم إحداهن قنطاراً } فقال: كل الناس أفقه منك يا عمر، أو كل الناس أفقه من عمر، وهو رضى الله عنه مصيب فى نهيه، لأن النهى عن مغالاة المهور جاء فى الحديث عنه صلى الله عليه وسلم، إلا أنه أعجبه استحضارها الآية فى ذلك المقام، والآية ليست آمرة بمغالاة المهور، بل جاءت على سبيل الفرض، كأنه قيل: ولو آتيتموهن قنطاراً، وليس وقوع الشىء منافياً لكراهته، فلو أعطى قنطاراً لصح، وجاء عليه نهى التنزيه، وفى الآية جواز أن يقال: الحمد لله على ما أعطانى من العلم، بل لو قال: أنا عالم لأمر داع لقوله بلا فخر ولا رياء ولا ترفع لجاز، فان فى قولك: الحمد لله على ما أعطانى من العلم يتضمن انا عالم، وما جاء من انه من قال أنا عالم فهو جاهل لم يصح حديثاً عنه صلى الله عليه وسلم، وإن صح فمحمول على من قاله فخرا أو رياء، لأن نحو الرياء جهل وسمعة.