التفاسير

< >
عرض

وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْس وَٱلطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ
١٧
-النمل

تيسير التفسير

{ وحُشِر لسُليمانَ جنُودُه } من الأماكن المختلفة القريبة والبعيدة، أى جمعها الله له { من الجن والإنْسِ والطَّيْر } بيان لجنوده، أى هم الجن والإنس، وأل للحقيقة فصدق بأفراد او أنواع، وليس المراد كلهم، ويجوز ان تكون للتبعيض، والمعنى واحد، ويجوز أن تكون للابتداء، أى حصل له منهم الجنود، وأن أريد الكل فعلى من تكون جنوداً؟ أعلى الدواب أو على ماذا؟ ليس الكل مراداً، ويبعد أن يراد بالكل أو البعض الذهاب الى مكة شكراً على بناء بيت المقدس، كما زعم بعض، بل الجمع لقتال المشركين، وهذه بلقيس لم تكن من جنده إلا بعد مضى خمسة وعشرين عاما من ملكه، وذكروا أنه يأتيه من كل صنف من الطير واحد، فكان يأخذ من كل جنس من الطير والجن والانس رئيسا تنقاد له عامته، وللطيور عقول يتعلق أمور بها دون عقول المكلفين، وكذا سائر الحيوانات.
ومن قال: إن للحيوانات والطير أنبياء منها، فهو مشرك، وام يسخر له سائر الحيوان، وقدم الجن لأنهم أغرب تسخيراً لعتوهم، ووصل بهم الانس لتقاربهم صوراً، وأكلا وشربا وكلاما وتكليفا، ولم يبق للطير إلا التأخير، ولو كانت أغرب جمعاً كالجن.
{ فَهُم يُوزعُون } يحبس أولهم ليلحق آخرهم فتستريح الأولون بذلك، ولا يجهد الآخرون بالسير، أو لأنهم لا يقدرون على ما قدر الأولون المقدمون لقوتهم، وهذا لا يتصور إذا سار بهم ريح الصبا مسيرة شهر فى بساط، وكانت تسير بهم الريح، وحول سليمان الأنبياء فى كراسى من ذهب، وحولهم العلماء فى كراسى فضة، وحولهم العامة، والله أعلم بصحة كثرة الأنبياء فى عهد سليمان وفى غيره أولى بالمنع، والبساط من ذهب وفضة، صنعته الجن فرسخاً فى فرسخ، ومر على حراث فقال: سبحان الله، لقد أوتى سليمان ملكا عظيما فألقى الريح كلامه فى أذنه، وقد أوحى الله عز وجل اليه أن لا يتكلم أحد شيئا إلا ألقته الريح فى أذنك، أى مما يهتم به، فأمر الريح فسكت، ومشى الى الحراث تواضعاً، فسأله عما قال؟ فقال: له ثواب سبحان الله عند الله أعظم مما آتانى الله من الملك.
ويروى أن معسكره مائة فرسخ فى مائة فرسخ، خمسة وعشرون للإنس، كذا للجن، وكذا للطير، وكذا للوحش، وله ألف بيت من زجاج على الخشب لأزواجه، وهن ثلاثمائة، ولسرارية وهن سبعمائة، وبساط من ذهب وإبريسم، فرسخ فى فرسخ نسجته الجن، ومنبره فى وسطه من ذهب وفضة، وحوله الأنبياء على كراسى الذهب، والعلماء على كراسى الفضة، وحولهم الناس، وحول الناس الجن، تظله الطير بأجنحتها، وتحمل ريح الصبا البساط مسيرة شهر.
وروى أن الريح العاصف تحمله، والرخاء تسير به، فبينما هو فى الهواء، أوحى الله اليه أنى زدت فى ملكك أن لايتكلم أحد كلاما إلا حملته الريح إليك، ومر بحراث وقال: لقد أتى آل داود ملكا عظيما، فألقته الريح فى أذنه فنزل اليه، وقال: لا تتمن ما لا تقدر عليه، وتسبيحة واحدة يقبلها الله منك خير من ذلك، والفرسخ اثنا عشر ألف خطوة، والبريد أربعة فراسخ.