التفاسير

< >
عرض

قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ
٢٧
ٱذْهَب بِّكِتَابِي هَـٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَٱنْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ
٢٨
-النمل

تيسير التفسير

{ قال } سليمان للهدهد { سنَنْظرُ } نستعمل فكرنا فيما ذكرت لنا، والسين للاستقبال، لأن الأمر الفخيم هكذا لا يعاجل على فوره، ويجوز أن يكون لتأكيد اوله، وللاستقبال، والنون لسيلمان، ومن يتدبر معه أوله وحده إعظاما لما أعطاه الله لا لنفسه، ومعمول ننظر هو مجموع قوله: { أصَدقت أمْ كُنت من الكاذبينَ } وقدم الصدق لأنه الأصل، ولم يقل أم كذبة للفاصلة مع التلويح بانه لو كذب فيما قال مع النبوّة والملك الفخيم، لكان من الراسخين فى الكذب لا لهذا وحده، ولا للفاصلة وحدها، وقال ذلك مع أنه لم يجرب عليه كذبا قط، اعظاما للمقام وتحويفا لغيره على الزلل، أو أراد بالكذب الخلل فى الأمر الذى حكاه له بنوع ما، ولو بلا عمد، فان الكذب يطلق على ذلك أيضا، وفسر النظر المذكور بقوله:
{ اذهب بكتابى هَذا } أشار الى كتاب كتبه بعد حينه ذلك بمدة، أو عقب خطابه للهدهد، وهذا أيضا استقبال، وخص الهدهد به لأنه أشد أمنا به من الجن والانس وسائر الطير، وللترهيب لهم، بان ملكه جرى على الطير كما جرى على غيرها، والكتابة الى ملوك الشرك أمر شرعى، كما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى كسرى وقيصر وملوك العرب، وبلغ خبره أمم الشرك، وأنعم الله عز وجل علينا بسلطان الاسلام كى يقاتهم ويغلبهم باذن الله.
{ فألْقِه إليهم } الى القوم الذين ملكتهم المرأة، وذلك بالقائه إليها { ثم تولَّ } تنح { عنْهُم } بحيث تسمع ما تقول المرأة أو يقال عنها، ويجهر به فى قومها، ولا يأخذونك ولا يضرونك، وذلك للمطلحة، قيل: وللتأدب مع الملوك { فانْظُر } تأمل قيل أو انتظر { ماذَا } اسم واحد مركب استفهامى مفعول مقدم لقوله: { يرجِعُونَ } والمجموع مفعول انظر، علق بالاستفهام، أو ماذا مبتدأ فخبر عند سيبويه، يخبر بالمعارف عن أسماء الاستفهام المنكرات، ومن ذلك من أنت وما هذا، أ خبر فمبتدأ عند الجمهور، احفظه ولو لم أعده، وذا اسم موصول، والجملة معمول انظر، ويرجعون ذا أى يرجعونه، وعلى كل حال يكون المعنى ماذا يرجعون فى جواب الكتاب الذى تلقيه، علم الله هذا الهدهد لغة الناس المرسل هو إليهم، ختم الكتاب بالمسك، وطبعه بخاتمه، وعلقه فى عنق الهدهد.
أو اخذه بمنقاره وطار به، ودخل كوة تسجد للشمس كل يوم إذا دخلت منها، فقامت الى الكوة، فألقى الكتاب إليها، أو دخل ألقاه بين ثدييها، وهى مستلقية، أو على نحرها، وهو أعلى الصدر، أو نقرها فتيقظت من نومها، او رفرف وقت خروجها من البيت، وحضور الفؤاد والجنود وغيرهم، فنظروا ونظرت، ورفرف فألقاه فى حجرها.