التفاسير

< >
عرض

أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوۤءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ ٱلأَرْضِ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ
٦٢
-النمل

تيسير التفسير

{ أمَّن يُجيبُ } إضراب انتقال الى الاحتجاج عليهم، بأنه لا يدفع وقوع الضر قبل وقوعه، ولا يزيله بعد وقوعه إلا هو { المُضطر إذا دَعاهُ } لكشف الضراسم مفعول من الاضرار مصدر أصله المضطرر بفتح الراء الأولى بعد التاء، قلبت التاء طاء لتناسب الضاد، وسكنت الراء الأولى، وأدغمت فى الثانية من ضره، فاضطر أى ألجأه الى الضر والوقوع فيه، فطاوع اليه بالوقوع، بمعنى انه لم يخالف ولو بلا اختيار، وأل فى المضطر للجنس، لأن من الناس من لا يجاب كقوله تعالى: " { فيكشف ما تدعون إليه إنْ شاء } "[الأنعام: 41] أو للاستغراق، بأن يجاب بنفس ما دعاه قريباً أو بعيداً او بمثله أو خير منه، أو دفع ضر آخر، أو بثواب له بعد الموت، أو عنده.
وحمل المعتزلة الاستغراق على المصلحة وهو باطل، إذ لا يجب الصلاح على الله، ولا واجب عليه تعالى، وقيل لعهد المشركين فى دعائهم عند خوف الغرق وغيره من قوارع الدهر، كانوا اذا حزبهم أمر رفضوا ذكر الأصنام، وذكروا الله وحده، وفى بعض الأحيان إذ أرادوا دخول السفينة قال لهم الملاح: أخلصوا، ولا ضعف فى هذا القول، لأن فيه مقابلة لهم بما شاهدوا مع علمهم، وعلم المسلمين أن الناس فى ذلك سواء، وأيضا الضمائر بعدلهم، وزعم بعض أن المضطر الملجأ الى الاستغفار من الذنب، وهو باطل، لأن المسلم لا مدخل لذكره هنا بالاستغفار، مع أن غير الله لا يعلم أن أجاب إلا قليلا بوحى، والمشرك كذلك فى كل ذلك، مع أنه لا يعتبر الذنب.
{ ويكْشِف السُّوء } بدفعه عن الوقوع، وإزالته بعد الوقوع والعطف، قيل عطف عام على خاص، على المضطر يختص بالوقوع فى الضر، وعندى لا يختص، فالعطف تفسير للاجابة، كما أنه تفسير إذا جعل أل نائبا عن ضمير المضطر، أى ويكشف سوءه، أى سوء المضطر، أو السوء عنه { ويْجعلُكم خُلفاء الأرْض } تقومون مقام من قبلكم فى ملك أموالهم بنحو الإرث، وبكونكم ملوكاً، والاضافة بمعنى فى أى متخلفين فى الأرض { أإلهٌ معَ اللهِ } يفعل ذلك أو بعضه، أو يعينه حاشاه { قليلا ما تذكَّرونَ } تتذكرون تذكراً قليلا، أو زماناً قليلاً تتذكرون فقليلاً مفعول مطلق، أو صرف زمان قدم للحصر، والفاصلة، وأكَّد القلة بما، وهى صلة للتأكيد، حتى أنه يجوز أن تكون القلة انتفاء لبطلانها، بالاشراك المصحوب لها، وحذف مفعول تذكرون للعلم به بأدنى توجه الى نعمه الظاهرة، وهو أولى أو السائر اليكم، او مضمون ما ذكر كذلك قيل، ويبحث فيه بأن التذكر علاج لا يوافق أدنى توجه إلا أن يراد بالتذكر مقابل النسيان، أو الغفلة.