التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِّنَ ٱلأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ
٨٢
-النمل

تيسير التفسير

{ وإذا وقَعَ القَوْل عَلَيْهم } دنى وقوع القول عليهم، فذلك مجاز مشارفة، وهو استعارة لشبه القرب بالوقوع لجامع الاستحضار، وانتفاء البعد، او مجاز اللزوم، او السببية، والقول بمعنى القول، وهو آية القرآن الدالة على العذاب المستعجل به أو يرد مضمون القول، واختير ذكر ذلك بالقول، ليكون تصديقا للقول، وقال: { عليهم } لأنه صار لهم { أخْرجنا لَهُم } لام استحقاق كقوله تعالى: { وللكافرين عذابٌ } والضمير ان الكفار مطلقا او لكفار مكة.
{ دابَّةً } مخلوقة من قبل، حتى قيل: إن موسى عليه السلام سأل الله عز وجل أن يريه إياها، فطلعت من الأرض ثلاثة أيام الى السماء، ولم تتم فقال: يا رب ارددها، وقيل تخلق يوم تخرج، والأدلة على الأول، والتعبير بالخروج ظاهر فى ذلك أنها مضطرة، فأظهرت، وكيف قول ابن عباس، إذ ضرب الصفا بعصاه محرما وقال: إنها تسمع قرع عصاى، وما قيل إنها الثعبان الذى اختطفه العقاب حين أراد قريش بناء البيت، فخرج ومنعهم، والصحيح أن الدابة غيره، وفيها من هذه الأمة التكلم بالعربية، ومن كل أمة شىء، ورأس ثور، وعين خنزير، وأذن فيل، وقرن أيل، وعنق نعامة، وصدر أسد، ولون نمر، وخاصرة هرة، وذنب كبش، وقوائم بعير، بين كل مفصلين اثنا عشر ذراعاً بذراع آدم، وصوت حمار، وزغب وريش وأرجل قوائم وجناحان، وأنا أذكر هذه الأمور كارها ليتروح إليها السامع، ولو لم أصدقها، وهى دابة واحدة كما دل عليه الافراد فى الاثبات، نكرت للتعظيم، وقيل لكل أرض دابة، وهو ساقط، ومن أبعد ما قيل: إنها ترى من المغرب والمشرق، مع انا لا نرى ما على المشرق من السماء، ولا نرى الشمس والقمر والنجوم إذا غربت، وقبل طلوعها، مع أن السماء أعلى من الدابة.
{ من الأرض } أرض الصفا أو المسجد الحرام، أو بدو مكة القريب منها أرض يابسة، حولها رمل كما بينه صلى الله عليه وسلم، أو فى اليمن، او جبل جياد أيام التشريق، والناس فى منى، أو من مدينة قوم لوط، أو من أقصى البادية، أو تخرج فى أقصى اليمن، ولا تشهر، ثم فى البادية، ثم ناحية الركن الأسود، وباب بنى مخزوم، وتنفض التراب عن رأسها، فيفر الناس إلا طائفة من المؤمنين مع عيسى عليه السلام، يطوف وتجلو وجوههم كالكوكب الدرى، وتكتب فيها مؤمن بخاتم سليمان، وتتحرك القنادل، وتنكت الكافر فى وجهه بعصا موسى، ويسود وتكتب فيه كافر، ولا يلحقها طالب، ولا يفوتها هارب، وتقتل إبليس، والصحيح انه يقتله عزرائيل بكئوس موت الأولين والآخرين.
وبعد موت عيسى والمهدى يرفع البيت ولا يدرى محله، وينزع القرآن من القلوب والمصاحف والألواح، وحيث كتب، فيرجعون الى أمر الجاهلية، ولا قائل لا إله إلا الله، فأكثر الطواف والقراءة، وادعوا الله عز وجل ينصر السلاطين العثمانية، ويسددهم الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم، يا حى يا قيوم، يا ذا الجلال والاكرام.
{ تُكلِّمهم } تحدث المشركين المنكرين للبعث فى عصر خروجها، أو المؤمنين والمنكرين، وذلك نصرة للمؤمنين، وهذه الجملة من الله { انَّ الناس } بيان الناس، وهم هؤلاء المشركون المنكرون، وصح ذلك لأن قوله: { أنَّ الناس } من كلامها، كما أن الجملة قبله من كلامها، أو الناس منكروا البعث فى عصرها او غيره، أو الناس مشركو مكة على عهده صلى الله عليه وسلم، شهدت بذلك ما لهم وتخطئة وتزكية له صلى الله عليه وسلم، بحجة قوية، وهو نطق الدابة، وعلى كل حال الآية زجر منها للمنكرين الحاضرين لها، أو تكْلَمهم تجرحهم جرحاً شديداً، أى تذمهم كما يجرح الشاهد، ويناسبه قراءة فتح التاء وإسكان الكاف، فاللام مخففة.
{ كانُوا } ربما قوى هذا المضى أن المراد بالناس مشركو مكة على عهده صلى الله عليه وسلم، ولكن لا يلزم ذلك لأنها خرجت، والناس ماضون على الانكار { بآياتنا } تعنى الآيات الدالة على البعث ومبادئه، أو الآيات مطلقاً، وفى نفس الأمر شملت خروج الدابة، ونا لله لأن ذلك كلام منها عن الله عز وجل، ولا يحتاج الى تقدير مضاف، أى بآيات ربنا أونا للدابة لجريان ذلك بها فنسبت الآيات لنفسها كما ينسب الجندى لنفسه ما للسلطن، لأنه فى يده، وعلى معنى الجرح تكون الباء سببية { لا يُوقِنُونَ } بل يكذبون ويشكون.