التفاسير

< >
عرض

وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ
٨٧
-النمل

تيسير التفسير

{ ويَوْم } معطوف على يوم ناصبة ناصب يوم الأول، وقد يقدر اذكر معطوفاً على اذكر الناصب للأول للبعد { يُنْفخ } ينفخ إسرافيل، وقيل له عون آخر نفخة البعث { فى الصُّور } قرن عظيم دائرة فيه كعرض السماوات والأرض، فيه ثقب على قدر ما يبعث من الحيوانات لكل ميت ثقبة تكون فيها روحه، ينفخ فيه فترجع كل روح الى بدنها كالنفخ فى المزمار المعروف الآن، ليجمع الناس هو فى فم إسرافيل مذ خلق يقظ لا تصيبه غفلة مخافة أن يؤمر بالنفخ قال صلى الله عليه وسلم: "كيف أنعم وقد التقم إسرافيل الصور" فاشتد على الصحابة فقال صلى الله عليه وسلم لهم: "قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل" زعم بعض أن الصور جمع صورة لا قرن، فهو ينفخ الأرواح فى الصورات التى هى الأبدان والأحاديث ترده صحيحاً ورد بقوله: " { ثم نفخ فيه } "[الزمر: 68] ولو كان جمع صورة لقال فيها، ولا يلزم لجواز تذكير ما مفرده بالتاء كهاء يرفعه العائدة الى الكلم، وأما تذكير الطيب وإفراده فقد يقال لشبهة بمصدر السير والصوت، ولا يقبل جعل الكلام من باب التمثيل بالنفخ.
{ ففزع من فى السماوات } من الملائكة، ومن شاء الله فيها، والمراد بالسماوات جهة العلو، فشمل العرش والكرسى، ومن حول العرش وحملته، ومن فى الجنة فان ذلك كله خارج عن السماوات السبع { ومن فى الأرض } من الجن والانس وغيرها، يفزعون اولا بها، ويحيون ففزعهم وحياتهم مقترنان { إلاَّ مَنْ شاء الله } منهم، فانه يحيى بلا فزع، وهم خازن النار، ورضوان خازن الجنة، والحور والولدان، وقيل: الشهداء والولدان الحور، وحملة العرش، وخزنة الجنة، وجبريل وميكائيل وعزرائيل وإسرافيل وموسى، فقيل: موسى لأنه صعق فى الدنيا ولم يذكر فى هذه الآية نفخة الموت، ولا نفخة الفزع قبلها، جاء بها حديث يختلط بها الجن والوحش، الى الانس استئناسا لهم، ولا يسمعها إلا من هو حى، وفزعها غير فزع البعث، وذكر نفخة الموت، ونفخة البعث فى آية فيها، ثم نفخ فيه اخرى.
وقيل: نفخة هذه السورة نفخة الموت، والذين لا يفزعون بها الملائكة الأربعة، وقيل: الولدان والحور، وحملة العرش، وخزنة الجنة، وتنشق السماوات والأرض انشقاقاً بصوت شديد، سماه بعضهم نفخة، وحمل بعضهم الآية عليه، وسماها نفخة الفزع، وتطوى السماوات بعد شقها قبل البعث، وقيل: بعده، ويقال: يلقى الفزع على الخلق حتى يموتوا، ويقال: ينفخ إسرافيل فى الصور نفخة الفزع، ونفخة الصعق، أى الموت، ونفخة القيام لرب العالمين، وسئل صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: { إلاَّ من شاء الله } فقال:
"هم الشهداء متقلدين أسيافهم حول العرش" رواه أبو هريرة.
قال ابن عباس: الشهداء أحياء عند ربهم لا يصلهم الفزع، وقيل: جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل، لا يبقى بعد النفخة إلا هؤلاء الأربعة، فيقول الله تعالى لعزرائيل: خد نفس إسرافيل فيأخذه، ويقول من بقى؟ فيقول: سبحانك ربى تعاليت وتباركت، يا ذا الجلال والاكرام، وجهك الباقى الدائم بقى جبريل وميكائيل وملك الموت، فيقول خذ نفس ميكائيل فيأخذه، فيقول من بقى؟ فيقول: تباركت وتعاليت، يا ذا الجلال والإكرام، بقى جبريل وملك الموت، فيقول الله تعالى مت يا ملك الموت، فيموت فيقول لجبريل قد علمت أنه لا بد من الموت فمن بقى؟ فيقول بقى وجهك الدائم والعبد القانى جبريل، فيقول مت يا جبريل فيخر ساجدا يحرك جناحيه حتى يموت، وقيل: يموت الثلاثة بتوسط عزرائيل، فيقول الله تعالى، لا بد من الموت اذهب الى ما بين الجنة والنار فمت، فيموت بالله بالله تعالى، وقيل يبقى مع الأربعة حملة العرش، فيموتون هم ثم الثلاثة، وعزرائيل رابعهم، وقوله عز وجل:
{ وكلٌ أتوْه داخِرينَ } يدل أن المراد فى الآية نفخة البعث، كل واحد من المبعوثين حاضروه، أى حاضر موضع حسابه أذلاء او مقرين بالبعث، منقادين له لمشاهدته، وأتوه اسم فاعل جمع المذكر السالم حذفت النون للاضافة للهاء، والأصل آتيوه بكسر التاء ثقلت الضمة على الياء فنقلت للتاء فحذفت الياء للساكن بعدها، أو حذفت الضمة للثقل، فجئ بأخرى للتاء، وداخرين حال من المستتر فى أتوه، لا من الواو لأنها حرف.