التفاسير

< >
عرض

وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي ٱلنَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
٩٠
-النمل

تيسير التفسير

{ ومن جاء بالسيئة } كائنة ما كانت، ولو صغيرة، لأنها بالاصرار كبيرة، والاصرار اعتقاد العود، أو اعتقاد ان لا يتوب، أو التهاون بها، ولو فسرنا السيئة بالشرك كانت الآية لم تتكلم على غيره من الذنوب والاتيان قيد، فلو عصى طول عمره وتاب آخره لم يصدق عليه أنه آت بالسيئة { فكُبَّت وجُوهُهم فى النار } عطف على جواب محذوف، اى لم يعذروا، أو انقطعت حجتهم، إذ لو كان جواباً لم يقرن بالفاء لصلاح ان يكون شرطاً، والمراد كبُّوا على وجوههم، وما يليها من قدام الى أقدامهم، وذلك مجاز، لأن الكب على الوجه سبب، وملزوم لكب باقى قدامهم، أو لأن الوجوه أبعاضهم، أو الوجوه بمعنى الأنفس، أى كبَّت أبدانهم فيها منكوسة.
وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه: لا يغرنكم قول الله عز وجل:
" { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يُجزى إلاَّ مثلها } "[الأنعام: 160] لأن السيئة الواحدة تتبعها عشر خصال مذمومة: أنه اسخط الله بها، وأنه أفرح إبليس لعنه الله، وأنه تباعد من الجنة، وأنه تقرب من النار، وانه عادى أحب الأشياء اليه وهو ذاته، وانه قد نجس نفسه، وأنه آذى الحفظة، وأنه أحزن النبى صلى الله عليه وسلم، وأنه أشهد على ذنبه السماوات والأرض والمخلوقات، وأنه خان الآدميين.
{ هل تُجْزون إلاّ ما كُنْتم تعْمَلون } نائب فاعل لحال محذوف من ضمير وجوههم، أى مقولا لهم، هل تجزون والخطاب لمن جاء بالسيئة، وإن جعلنا الجملة مستأنفة كان التفات من الغيبة الى الخطاب، وصح أن يكون لهم، وأن يكون لهم، ولمن أتى بالحسنة، والحصر إضافى منظور فيه الى أنه لا يعذب أحد بذنب غيره، وأما الإثابة بعمل الغير فانه يثاب الانسان من هذه الأمة بما عمل له غيره، مثل أن تعمل نفلا من صلاة، أو صيام، أو حج، أو عمرة، أو صدقة أو قراءة أو ذكر تنويه لحى أو ميت، فإنه يثاب، ولك من الله تعالى ثواباً على ذلك ما شاء إلا الوالدين، فلك مثله سواء وأما ما عمل اقتداء بك أو لأمرك أو لسببك، فانه من عملك، ولمن مات صبيا حسناته ولا سيئة له.