التفاسير

< >
عرض

فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ
٢٤
-القصص

تيسير التفسير

{ فسقى لهما } لوجه الله، ولرقة قلبه لهما، قبل صدور الرعاء لا طلبا للأجرة، وقيل سألهما ليميلهما الى الاستغاثة به، فأجابتاه على ظاهر سؤاله، وعلى ما هو عندهما من التورع عن ملاقاة الرجال عموما، فكيف الرعاء ومن شأنهم السفه، ولم تجيبا بأنا ضعيفتان إذ لو شاءتا لتجلدتا، ولكن منعهما الدين مع ان جوابهما يتضمن الاستعانة، والمراد فعل الاستقاء الذى كفتا عنه، ولم يتعلق غرض الكلام بالمفعول، فلم يقل فسقى لهما غنهما، ولا يصح ما قيل عن عمر: إنهما تذودان حتى فرغ الرعاء واطبقوا على البئر بصخرتها التى تطاق بعشرة رجال، وقيل بأربعين، فرفعها موسى وحده، وسقى دلوا واحدة، بارك الله تعالى فيها، وروت بها، لأن ظاهر الآية أنه سقى لهما عقب جوابهما، والحال ان الناس فى السقى، وأى داعٍ الى دعوى انه وجد الامرأتين بعد صدور الرعاء، او الى اتساع الوقت الى صدورهم، والى آخر ذودهما وأول صدورهم.
وعن ابن عباس: لما رأى ازدحامهم على الماء وذودهما قال: هل من ماء آخر؟ فدلتاه على بئر مطبق عليها بصخرة ولا يطيقها نفر، قيل: يرفعها عشرة، وقيل: سبعة، وقيل أربعون، وقيل: مائة، فأزالها وسقى غنمهما بدلو واحدة، ولا تخلوا الأخبار عن تخليط، إذ يحتاج الى هذا العدد، وليس يوجد كل وقت، وكيف يتصور لهم علاجها، وكيف لا تنهدم البئر بها.
{ ثمَّ تَولَّى } ترتيب ذكرى بلا تراخ، أو المراد علو شأن ما يترتب على هذا التولى من الاتصال بشعيب، ومعاملته، والتولى مطلق الذهاب مجازا، وأصله الذهاب الى حيث كان قبل، ولعله كان قبل فى ذلك الظل، ويقرب منه ما زعم بعض انه جعل ظهره يلى ما كان وجهه من الشمس { إلى الظِّل } ظل شجرة كما روى عن ابن مسعود فقيل: سمرة، وقيل: ظل جدار لا سقف له { فقال ربِّ } يا رب { إنى لما } الى ما اسم موصول أو نكره موصوفة متعلق بفقير { أنْزلتَ إلىَّ من خَيرٍ } بيان لما نعت ثان لها أو حال منها، او من الموصولة أو من الرابط لهما { فَقيرٍ } محتاج، والماضى لتحقق وقوع نزول الخير، الخير، كأنه قد نزل وهو ولو شق تمرة، وقيل سأل الخبز أو الماضى على ظاهره، وما أنزل اليه من الخير توفيقه الى السقى لهما، فهو يرجو لذلك ثواباً من الله عز وجل فى الآخرة أو دينه، أو فقير الى ثواب السقى، او الخير الخروج عن فرعون بدينه، أى فقير الى طعام لخروجى عنه، وكان فى ترفه معه، أو ذلك شكر لنعمة الخروج، فاللام للتعليل، وهما ضعيفان كضعف تفسير الخير بزيادة العلم والحكمة، والحق الحاجة للطعام، لا باعتبار كونه عند فرعون كما فسره صلى الله عليه وسلم، ولا يعرف فى العربية فقرته بمعنى طلبته، فضلا عن أن يقال ما مفعول لفقير، واللام للتقوية، والجملة على كل للتضرع ودعاء.
ولمّا سمعتاه قال: { رب إنى } إلخ أسرعتا الى أبيهما شفقة لما فهمتا من جوعه، ولكون أبيهما يحب الضيف ويعتاده فقال: ما هذه السرعة؟ فقالتا: سمعناه يقول رب إلخ فقال لاحداهما: ادعيه.