التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ نَاراً قَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ
٢٩
-القصص

تيسير التفسير

{ فلمَّا قَضَى مُوسَى الأجل } عشر حجج صداقاً للبنت الصغرى، كما قاله الحسن بن على، وابن عباس، وأبو سعيد الخدرى، وكما روى ان رجلا من اليهود، سأل سعيد بن جبير فى الحيرة، فقال: حتى أسأل حبر العرب، فسأل ابن عباس فقال بذلك، عن وهب بن منبه أنه تزوج الكبرى، والجمهور على الأول، وروى عن أبى ذر مرفوعاً: إذا سئلت فقل تزوج الصغرى القائلة يا أبت استأجره، كما روى عن أبى سعيد الخدرى: أنه سأله رجل عن ذلك فقال: لا أدرى حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله فقال: "حتى أسأل جبريل" فسأله فقال: "حتى أسأل ميكائيل" فسأله فقال: "حتى أسأل لارفيع" فسأله فسأل: "حتى أسأل إسرافيل" عليهم السلام فقال حتى أسأل ذا العزة فقال بصوته الأشد: "يا ذا العزة أى الأجلين قضى موسى؟ فقال: أتم الأجلين وأطيبهما عشر سنين" .
والمعنى تزوجها، وكان ما كان، فلما قضى إلخ قيل قال له شعيب بعد العقد: خذ عصا من عصى فى هذا البيت، فأخذ العصا التى نزل بها آدم من الجنة، قيل أخذها ليلا وتوارثها الأنبياء حتى وصلت شعيبا، فقال خذ غيرها، فردها فتناول، وما وقع فى يده غيرها سبع مرات، فعلم أن له شأنا قلت: ولو توارثها الأنبياء لشهرت عندهم، ولوصلت أفضلهم صلى الله عليه وسلم. وقيل: أخذها جبريل من آدم بعد موته، وحفظها لموسى، وأعطاه إياها ليلاً، وكانت من آس الجنة، أعطاه إياها جبريل، وقيل: أودعها ملك بصورة رجل شعيبا، ولما قال لابنته: أعطه عصا، أعطته إياها، فقال: أعطه غيرها فما تناولت سواها سبع مرات، فتركها فندم لأنها وديعة، فجعل بينهما أول آت، فأتى ملك بصورة رجل فقال: ألقياها فى الأرض فمن أخذها فله، فعالجها شعيب فلم يقدر، وأخذها موسى، وقيل هى عصا من سائر الشجر، أخذها فجعل الله سبحانه فيها ما جعل، وقيل: من شجرة العوسج التى نودى عليها، فتكون بعد فراق شعيب، والمشهور أنها عقب التزوج، ورعى بها غنم شعيب.
وروى أنه قال له: إذا بلغت مفرق الطرق، فخذ اليسار، فان اليمين ولو كان فيه الكلأ فيه تنين أخشاه عليك وعلى الغنم، ولم يقدر أن يرد الغنم عنه، فنام وخرج فقتلته العصا، فرجعت ملطخة، ولما استيقظ رآها والتنين مقتولا، وارتاح لذلك، ورجعت الغنم ملأى البطون، وأخبر شعيبا بذلك، ففرح وعلم ان لموسى والعصا شأنا، ويقال: بكى شعيب حتى عمى، فرد الله بصره ثلاث مرات، فأوحى الله تعالى اليه: اتبكى شوقا الى الجنة، أو خوفا من النار؟ فقال: بل شوقا إليك، فقال الله تعالى: هنيئاً لك، فلذلك أخدمتك كليمى.
{ وسَار } نحو مصر لزيارة أمه وأخيه وأخته وقرابته، ظاناً يخفى أمره لطول مدة الجناية، كما دخلها حين قتل القبطى، والأولى أنه سار نحو بيت المقدس { بأهْلِه } زوجه، وسائر من تحت يده، فان لم يخرج غنمه من ملكه فقد سار بها، فان شعيبا وهب له حين رجعت اليه الغنم ملأى من الجهة اليمنى كل ما تلده من أدرع أو درعاء وروى أبلق أو بلقاء، فأوحى الله إليه فى النوم: أن اضرب بعصاك مستقى الغنم، أو ألقها فيه، فكل واحدة وضعت أدرع أو درعاء، وقيل كل ما خالف شية أمه.
وعنه صلى الله عليه وسلم:
"أنه لما أراد موسى فراق شعيب أمر امرأته أن تسأل أباها من غنمه ما يعيشون به، فوهب لها كل ما ولدت على قالب واحد، وكانت غنمه سوداء حسناء، فوضع عصاه فى الحوض، فكان النتاج على قالب واحد، إلاَّ شاة أو شاتين، فلعله أقام مقدار ما تستغنى عن أمهاتها" أو كان السؤال عند قرب تمام الأجل، وقد قيل: خرج وله ولدان: الأكبر جيرشوم، والأصغر العيازر ولدهما عند إقامته عند شعيب، وعن مجاهد، أقام عنده عشر سنين أخرى، فاحتمل انه ولد فيها، ولو على القول بأنه لم يدخل حتى أتم الأجل، واحتمل أنه ولدهما فى العشر الأولى.
{ آنَسَ } أبْصَر بعينه، وأصله الاحساس بعين أو أذن أو غيرهما، وقيل: الايناس الابصار البين، وقيل إبصار ما يسكن إليه، ويناسب الثانى تسمية موضع النظر من العين إنسان العين، لأنه يبين المنظرو، والانسان إنسانا لظهوره { منْ جانِبِ الطُّور } فى جهة الطور حال من قوله: { ناراً } أى ثابتة فى جانب، أو متعلق بحال خاصة، أى لامعة من جانب الطور، وعليه فمن للابتداء، أو بمعنى فى وهى نور فى صورة النار، عبر باسمها، لأن موسى يظله نار، أو لأن مراده النار ليستدفئ بما يقبس منها، وليدله صاحبها على الطريق، وهو فى ليلة مثلجة شديد البرد كما قال: { لعلكم تصطلون } وزوجه حامل قريبة الوضع، لا يدرى أتلد ليلا ام نهارا، بل قيل: أخذها الطلق فقدح زناده فأصلد فنظر تلك النار، وكان يأخذ على غير الطريق خوفا من ملك الشام فيما قيل: ويقال: لأنه شديد الغيرة، يفارق الرفقة نهارا فضل علنها الى الليل.
{ قال لأهله } لم يقل: قال لهم ليذكرهم باسم ما يوجب النفع لهم، وهو كونهم أهلا له يسعى فيما ينفعهم من نار ودلالة على طريق، ولأنه فى جواب سؤال كأنه قيل: فماذا فعل؟ أو قال: فقيل قال لأهله، أو لأن أهله الأولى بمعنى زوجة، أى سار بزوجة لتمام الشرط، والثانى بمعنى ما يعمها، وما تحت يده والله أعلم { امْكثُوا } أقيمُوا { إنِّى } المعنى لأنى { آنستُ ناراً لعَلى آتيكُم مِنْها } من أهلها على حذف مضاف، أو من النار إذ هى جهة يؤتى منها وإليها { بخَبَر } على الطريق، كما قيل: إنه ضل عن الطريق، فإن وجد من يد له عليها، مع ان الذهاب إليها ليتصل بالرفقة أليق لهم، ذهب واستغنى عن الجذوة { أوْ جَذْوة } عود غليظ فيه نار كما قال { من النَّار } نستغنى بها إذ لم نجد دالاً على الطريق أو وجدناه، وكان الأليق عدم الذهاب، ومن للبيان لأن الجذوة العود الغليظ ولو بلا نار، ولكن تسميته نارا مبالغة، لأن حقيقتها ذلك الجسم الملتهب، وأل للجنس، وقيل نفس تلك الجمرة الغليظة فى طرف عود حقيقة بلا لهب، كما يستعمل بلا نار، وعليه فمن للابتداء وأل للعهد { لعلَّكم تصْطَلُون } تستدفئون.