التفاسير

< >
عرض

ٱسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ ٱلرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ
٣٢
قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ
٣٣
وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ
٣٤
-القصص

تيسير التفسير

{ اسْلُك } أدخل { يدك } اليمنى { فى جَيْبك } مخرج العنق والرأس من الجبة والقميص وإطلاق الجيب على ما يخاط الى ذلك حقيقة عرفية في مضاب، وأصله المجاز لعلاقة الجوار، والمراد فى الآية المخرج المذكور.
{ تخرُجْ } وأخرجها تخرج { بيضاءَ } كالشمس تلمع وتغلب الأبصار { من غَيْر سُوءٍ } عيب كبرص، وكدوامها كذلك، وكتوقع ضر منها بذلك، { واضْمُم } عطف على ألْق بمعنى أنه أمر مطلقاً بضم اليد الى الجناح مطلقا إذا خاف لا بقيد الخوف من العصا، أو بياض اليد { إليْك } الى بدنك، والمراد جانبه { جَناحِكَ } الأيمن وهو اليد اليمنى، واليدان للإنسان كالجناحين للطائر فى الاستعانة، وأيضا يتقى بهما أمره بضم يده اليمنى الى ما يليها تحتها من البدن أو الى ما تحت الإبط من الجانب الآخر، أو أراد بالجناح الجنس، فالإضافة للجنس، فشمل اليدين بضم كل واحدة على ما يليها، أو على ما تحت إبط الأخرى، أو إحداهما على ما يليها، والأخرى تحت هذه، وفى ذلك كله زوال الخوف.
قيل: أو بادخالهما معا فى الجيب بحضرة العدو كفرعون، إظهاراً بأنه لا تكترث به، وإذا ضم إليه جناحه زال خوفه من العصا فيقبضها بلا حاجة الى لف يده بشىء ككم قميصه بحضرة عدوه، وإذا أخرجها بيضاء عقب فعل العصا أبهم العدو بهما والله سبحانه وتعالى يعلمه ما يفعل بعد
" { سنعيدها سيرتها الأولى } "[طه: 21] أو ضم جناحيه إليه عبارة عن أمره بالتجلد لا ضم اليد على الاستعارة بالكناية، شبه تجلده بتجلد الطائر عند الخوف، ورمز إليه بضم الجناح الذى هو فعل الطائر إذا خلى { من الرَّهْب } لأجل الخوف إذا جاءك من العصا، أو فرعون أو غيره.
{ فذانك } اهتزاز العصا، وبياض اليد، وهما مذكران، وإن أشير الى اليد والعصا وهما مؤنثان فالتذكير لتذكير الخبر { برهانان } حجتان نيرتان، أو قاطعتان من البره بمعنى البياض، أو من البره بمعنى القطع، والنون زائد، وأما قولهم برهن بمعنى أتى بالحجة فكلمة مولدة مبنية من الأصل، وما زيد للإلحاق بالرباعى، كما يزاد حرف رابع إلحاقاً بدحرج { من ربِّك الى فرعَوْن وملئه } متعلقان بنعت واحد، أى مرسلان من ربك الى فرعون وملئه على الاستمرار بعد، ولما كان ما فى الآية وقع بغير حضرة فرعون، احتاج بعض المحققين تقديرا ذهب بهما الى فرعون وملئه { إنهم } أى فرعون وملئه { كانُوا قَوماً فاسقين } مبالغين فى الخروج عن الحق الدينى والدينوى، ويقوى تقدير اذهب بقوله:
{ قال ربِّ } يا رب { إِنِّى قَتلتُ منْهُم نَفْساً فأخافُ أن يقْتُلون } بها فإنه ولو ناسب قوله: مرسلان الى فرعون وقومه إلا أنه أنسب باذهب، إذ قد يخبر بالعصا واليد بلا ذهاب، وأراد موسى بقوله: { رب إنى } الخ التضرع الى الله عز وجل، بأنه قد فعل فيهم ما يشتد معه عليه لقاؤهم، وأن يمده بما يبلغ الرسالة بلا إخلال، ومن شأن اليهود الكفر حتى زعموا عن التوراة كذبا عليها أنه قال: أرسل غيرى، فيكون قال كقولهم:
" { فاذهب أنت وربك } "[المائدة: 24] إلخ، وإنما ذلك منه استعداد كما قال: { وأخى هارونَ } بدل { هو أفْصَح منِّى لساناً فأرسْله معى ردءًا يُصدقُنى } يقوّ صدقى بقوة كلامه، أو يظهره، وإذا قال مثل قوله، أو زاد ما يناسبه، فذلك تصديق حقيقة وعرفا، ولا تختص بأن يقول صدقت، أو صادق كما قيل { إنِّى أخافُ أن يكذِّبون } أفصح اسم تفضيل ومن تفضيلية ولموسى فصاحة فهو فصيح الجواب، أن المراد بالفصاحة هنا قدر ما يفهمون عنه ولو ببعض تكلف، وردئى زيادة لموسى من رديت عليه زدت: كما هو بصورة ياء، وأما على أنه من الردأ بالهمزة بمعنى المعين نقلت حركتها الى الدال فمن شذوذ خط المصحف، إذ كتب بالياء لا بالألف ثم تحققت أنه بالألف فى النسخ المغربية.