التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَاذِبِينَ
٣
أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ
٤
-العنكبوت

تيسير التفسير

{ ولقَدَ فتنَّا الذين من قَبلهم } اتباع الانبياء صبروا على الامور الشداد، روى البخارى وابو داود والنسائى، عن خباب بن الارت شكونا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد لقينا من المشركين شدة فقلنا: ألا تستنصر لنا، الا تدعو لنا، فقال: "قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل منها ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بامشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه وما يصده ذلك عن دينه" وهذا كما قال الله تعالى { وكأين من نبي قاتل } [آل عمران: 146] الخ واللام القسم، وجملة القسم لا تكون حالاً اذ هى انشاء، واذا اجزنا دخول لام الابتداء على قد ولا قسم هنا، فالجملة حال.
{ فليعلمن الله الذين صدقوا } في قولهم: آمنا بأَن يؤدوا الفرائض، ويصبروا للشدائد (وليعلمن الكاذبين) في ذلك، واعاد ليعلمن تاكيداً، وان جعلنا (لقد فتنا) غير قسم، فقد عطف الانشاء وهو ليعلمن الاول، وهو قسم على الاخبار، ومذهبنا ان علم الله واحد يتعلق بالموجود زمان وجوده قبله وبعده على ما هو عليه، ووافقنا عليه من المالكية ابن المنير جد الدمامينى، وزعم غيرنا انه تجدد علمه بحدوثه، والايتان وما بعدهما على العموم، وهما فيمن شكوا اليه صلى الله عليه وسلم، كما ذكر عن خباب، وفي عمار وأمه كان أبو جهل أو غيره يعذبهما، يجعل على رأس عمار درعا من حديد في اليوم الصائف، وطعن في فرج امه، وفي شان مهجع مولى عمر، قتله عمر بن الحضرمى بسهم ببدر، مجزع عليه ابواه وامراته، وقال صلى الله عليه وسلم:
"سيد الشهداء مهجع" وهو اول من يدعى الى باب الجنة من هذه الامة وانه سيد الشهداء، وهو اول قتيل ببدر، وفي عياش اخى ابى جهل عذب ليرتد وقوله:
{ أم حَسبَ الَّذينَ يعمْلون السيِّئات أن يسْبقُونا ساء ما يحكمون } في عموم المشركين، ولو نزلت في أبى جهل، والوليد بن المغيرة، والاسود، والعاصى بن هشام، وشيبة وعتبة، والوليد بن عتبة، وعقبة ابن ابى معيط، وحنظلة بن وائل ونحوهم، وأم منقطعة للاضراب الانتقالى، لا متصلة بقوله:
" { أحسب } "[العنكبوت: 2] لان ما بعدها ليس مفرداً، ولا في تأويله، ولا تجاب بأحد الشيئين والاشياء، ومثال ما في تأويل المفرد: اقعد زيد ام قام، ومعنى { أن يسبقونا } ان يفوتنا من العذاب، والسيئات الشرك وما دونه، وزعم بعض انها ما دون الشرك، وانها في اهل التوحيد نزل تقصيرهم منزلة التكذيب وهو ضعيف، وخلاف الظاهر فى شان المؤمنين، وما مصدرية، أى ساء حكمهم، ولا حاجة إلى جعلها موصولاً اسمياً أَي ساء الحكم الذي يحكمونه او نكرة موصوفة، أى حكم يحكمونه، لان فيه الحذف، والمخصوص محذوف في جميع الاوجه، اى ساء ما يحكمون هذا، بل لا يلزم تقدير المخصوص، ولا التمييز فى باب نعم وبئس اذا تم الكلام بدونهما.